إبراهيم المليفي

ليل الإمامة البائد

«مع (رهينة) زيد مطيع دماج أنت لست مع رهينة اختطفتها عصابة من أجل فدية، ولا أنت مع رهينة في حادث اختطاف طائرة في عالمنا المعاصر، الذي لم يعد يعرف الأمان وسط كل أشكال الإرهاب. أنت مع رهينة من نوع فريد لم يخطر لك على بال، رهينة ترسف في أغلال القرون الوسطى في ليل الإمامة البائد في اليمن، والفجر يوشك أن يلوح، والرهينة تدق باب الحرية ركلا بقدمين يدميهما قيد ثقيل، ودقا بقبضتي يدين مغلولتين من أجل الوثوب بقفزة واحدة إلى أعتاب القرن العشرين.
يسعد المرء حين يضع يده على عمل فني من قطر عربي عزيز يتحدى كل محاولات التمزيق والعزل وعدم التواصل، ويسعد المرء أكثر حين يجد في هذا العمل صدى لآلامه وأحلامه وآماله، ورواية «الرهينة» التي بين أيدينا الآن تأتينا من اليمن السعيد». د. أمين العيوطي. مجلة العربي، العدد (334) – 1986م.
***
هذه هي المرة الثانية التي أكتب فيها عن زيد مطيع دماج (1943م – 2000)، في المرة السابقة كتبت في مجلة العربي نبذة تعريفية بهذا الكاتب والقصاص والروائي والسياسي، وهذه المرة سأتناول جانبا مهما من مسيرته الأدبية كمثال حي على أن التميز لا يحتاج أكثر من عمل واحد يضرب فيه الإنسان ضربته في عالم الإبداع والخلود والشهرة.
لقد أصدر دماج أكثر من مجموعة قصصية أولها «طاهش الحوبان 1973م»، و«العقرب 1982م» و«المدفع الأصفر 1986م»، ومعها في العام نفسه «الجسر»، وأخيرا «أحزان البنت مياسة 1990م»، جميع تلك الأعمال ربما أخذت صداها داخل اليمن وربما نجح بعضها في الخروج من الدائرة المحلية، ولكن كل ذلك لا يوازي النجاح الذي حققه دماج في رائعته اليتيمة رواية «الرهينة» التي صدرت 1984م.
«الرهينة» دخلت حيز أفضل مئة رواية عربية في القرن العشرين، أي أن دماج دخل نادي الكبار بعمل واحد فقط لا غير، كما ترجمت تلك الرواية التي تجاوزت بالكاد مئتي صفحة من القطع الصغير (كتاب جيب) إلى ست لغات أجنبية هي الإنكليزية والفرنسية والألمانية والهندية والروسية والصربية، ناهيك عن اللغة الأصلية التي كتبت فيها الرواية.
باعتقادي الشخصي أن الراحل دماج فوّت فرصة كبيرة كي يزيد من حصيلة أعماله السابقة لولا انشغاله بالعمل السياسي، وللعلم لقد توقف دماج ضمن مسيرته السياسية في محطة الكويت عام 1982م عندما عين وزيرا مفوضا وقائما بالأعمال في السفارة اليمنية، ولربما دوّن أول أسطر «الرهينة» تحت سماء الكويت.
خلاصة القول أن التسابق نحو الإصدار بغرض الإصدار وأخذ أكبر كمية صور «سيلفي» لن يحقق النجاح الحقيقي في المناخات الجادة والأوساط التي تتعامل مع الأعمال الإبداعية كصناعة ثقيلة، قاعدتها المعرفة الغزيرة والمعايشة، وأداتها التقنيات الحديثة في الكتابة الإبداعية، وروحها الخيال الخصب الذي يتشكل بدأب وأناة كلمة بعد كلمة وسطرا بعد سطر.
شكرا دماج فقد كنت لي بمثابة الحجة القوية التي أستعملها كلما خضنا في حديث الكم والكيف.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

إبراهيم المليفي

كاتب ومحرر في مجلة العربي الثقافية منذ 1999 وصاحب زاوية الأغلبية الصامتة بجريدة الجريدة منذ 2010

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *