منى العياف

اليوم «الجبر».. فغداً على من يأتي الدور؟!

سألني ابني البالغ من العمر (16 عاما).. سؤالاً له دلالاته.. له مغزاه.. قال: ما هي قصة أحمد الجبر؟ ما كل هذا الذي يقال ويكتب عنه على «تويتر»؟! لماذا سحبت جنسيته هو وأولاده؟ أين الحقيقة في كل ما جرى له؟.. هل هو مدان بجريمة أم انه مظلوم ويجب ان ترد عنه المظالم.. وتعاد اليه حقوقه؟!
– فاجأتني الاسئلة.. بل صدمتني واحرجتني فها هو الجيل الجديد الذي سيتولى غدا المسؤولية لا يكتفي بعالمه واحلامه وهواياته الشخصية، وانما هو ينفتح على مجتمعه وعلى كل ما حوله.. وحتى على قضايا سياسية خطيرة، مثل قضية سحب الجناسي التي اصبحت سابقة خطيرة في الكويت حيث اصبحت الجنسية مكافأة واحيانا.. اصبحت اداة قمع واحيانا اخرى اداة تكريم واداة انتقام!!
– قلت لابني ان ما حدث للجبر في الحقيقة هو جريمة بحق مواطن كويتي، جريمة بحقه كإنسان أولا.. تمتع بجنسية بلده، وتمتع اولاده بها معه، وعاشوا في هذا الوطن اعزاء بانتمائهم اليه، وبحملهم جنسيته، وهويته وكل اوراقه الثبوتية وتمتعوا بكافة حقوق المواطنة ثم فجأة وجدوا انفسهم مطرودين من هذه الجنة.. وهو طرد يماثل حكم الاعدام، فهذا نوع من ازهاق روح الانسان.. فحرمانه حق المواطنة وطرد المرء من بلده الذي تربى وعاش فيه يشبه النفي!.. مع ان حق المواطنة مكفول لكل مواطن بقوة القانون والعرف والدستور ولا يمكن الجدال فيه ولا يمكن لقوة ايا كانت او مهما تعسفت ان تسحب من المواطن جنسيته خاصة ان الجنسية الكويتية محصنة بكثير من الضمانات، ولذلك فان كل ما حدث مع «الجبر» امر مخجل وغير مقبول سحب جنسيته بذريعة انه مخالف لقانون الجنسية.. ذلك انه كويتي وبصفة اصلية، وقرار سحب جنسيته كان بمقتضى المادة (13) من قانون الجنسية وهي لا تنطبق على حالته مطلقا، وانما تنطبق على الكويتي بالتجنيس وليس بصفة اصلية وولد من اب كويتي، واسقاط الجنسية في هذه الحالة مشروط ومقيد تماما!
اما ما حدث مع «الجبر» فهو نوع من التعسف في استخدام القانون، كما ان السحب تم دون صدور حكم قضائي نهائي يحدد الجريمة التي ارتكبها، وذلك وفقا لما ورد في نصوص القانون للمادة (14) بل ان من ضمن الشروط ان يكون الحكم نافذا!
نحن اذن امام قرار «تعسفي» «انتقامي» يدشن لعصر جديد في البلاد وشيوع منهج مخيف، فاليوم يراد للجبر ان يعاقب، وان يكمم فاه.. فتنزع جنسيته، وتضيع هويته هو واهله.. وغدا قد يكون التالي انا أو انت أو انتم أو نحن جميعا!!
– تأملوا معي ان يحدث هذا في بلد كبلدنا المتسامح وفي بلد يحصل اميره على تكريم اممي وعالمي كقائد للعمل الانساني؟.
هل تكون هذه «الديرة» ممن تنفي مواطنيها وتنزع الرحمة والانسانية من قلوبها في حين يكرمها العالم على انسانيتها؟!
– كيف أمكن لحكومتنا «غير الرشيدة» ان تخطو هذه الخطوة وان ترتكب هذه الفعلة النكراء التي ان قبلنا بها فسوف تكون سيفاً مسلطاً على رقاب أي احد وسوف تصبح هذه الحالة «عرفا» بعده تصبح حقا مطلقاً ثم تسلطاً وهذا لا يجوز الا في الدول القمعية!
ما يراد لها ان تصبح دولة للقمع والاستبداد؟ فماذا يقال للعالم؟
– ماذا يقال وقد كانت الكويت بلد الحريات ومنذ متى كان يجوز في الكويت ان يحاسب الفرد على رأيه السياسي وان يعاقب كما عوقب «الجبر» بمسوغ واه والتذرع بمسميات فضفاضة مثل «المصالح العليا»؟!
ما هذه المصالح التي تجرد الشخص من «كيانه» ومن هو المخول اليوم بإصدار هذه القرارات؟!
– لماذا لا توجهون له الاتهام أمام القضاء لكي يدافع عن نفسه وعن كيانه؟!
– اقسم بالله العظيم انني لم اكن أتخيل ان يأتي علينا يوم فيكون الظلم عندنا بهذه الطريقة!! فالذي حدث ان من سحبت «جناسيهم» البعض منهم ينتمون الى «المعارضة» فكيف تبررون هذا السحب؟ هناك في اعتقادي اخطاء شابت عملية منح جنسيات لهؤلاء البعض ويحق للحكومة ان تتخذ مع هؤلاء الاجراءات المحددة وفقاً لقانون الجنسية لكن هذا لا يجعلنا ننظر الى المسألة بتقدير.. لأن الحكومة سكتت في السابق على هذه الاخطاء وكانت مستعدة لمزيد من السكوت لكن الحكومة بكل اسف اعيتها «الحيل»، وضاقت بها السبل، فلم تعد تعمل بالعقل والمنطق، وانما وفقا لاسلوب «العصا والجزرة» ومع ان حصول هؤلاء البعض على الجنسية كان خطأ ووفقا لاجراءات خاطئة أو وفقا لمخالفة بعض نصوص الجنسية لكن الانتقائية والازدواجية في المعايير خاطئة جدا، ذلك انه من بين هؤلاء من يسمون بمزدوجي الجنسية، فأي فعل محرم هذا الذي يرتكب، حينما تسقط الجنسية عن هؤلاء.. ونترك غيرهم ينعمون بها؟!
فهناك البعض من اعضاء مجلس الامة (المشرعون – الرقباء على تطبيق القانون) يحملون الجنسيات المختلفة فكيف تسحب – الجنسية من هؤلاء.. ولا تسحب من اولئك؟!
ومن ثم فإن سحب الجنسيات يجب ان يكون وفقا لأطر قانونية.
– اقول هذا ومقالاتي العديدة في هذا الشأن تنضح بآرائي حول هذا الموضوع فقد طالبت كثيرا بفتح ملف التجنيس على مصراعيه وان يكون المعيار لتطبيق القانون بمسطرة واحدة ومن دون انتقائية.
خاصة انه في عام 2007 نجحت شبكة من افراد بالداخلية بالقيام بعملية تزوير للجناسي وهذا خطأ لا يسقط بالتقادم.. أما اخطاء الجنسية المزدوجة فإن الامر يختلف والمعايير يجب ان تكون مختلفة.. سواء على حملة الجنسية العربية أو الاجنبية أو الخليجية ولكن لا يتم سحبها بهذه الطريقة التي خصت فيها الدولة بالانتقام ببعض من هم محسوبون على المعارضة عقابا لهم على طريقة «خذوه فغلوه» «ما يجوز»!!
– المجتمع كله الآن أفاق على انتكاسات قضية «الجبر» التي يجب ان يتصدى لها كل مواطن لأن لسان حالنا يقول الآن «سنؤكل يوم اكل الثور الابيض» فهذا الرجل وقع عليه ظلم هو واسرته من دون وجه حق، وفي هذا تقويض لشرعية دولة الحريات التي طالما تغنينا بها وسط الشعوب الخليجية والعربية وهي الشيء الوحيد الذي يميزنا عنهم، فهل يعقل ان يكون هذا ايضا مما تريدون ان تسلبونا اياه!!.
ابدا لن نقبل وسنظل نرفض ونتصدى لما حدث «لأحمد الجبر» وابنائه وها هو رئيس مجلس الامة المبطل علي الراشد يثير القضية بقوة امس في لقاء تلفزيوني عندما قال معلومة لم اكن اعرفها وتعكس فداحة ما حدث «للجبر» عندما قال الراشد: «انا اتشرف بانني كنت امثل وكيل النيابة عندما صدر حكم بحق «علاء حسين» رئيس الحكومة المؤقتة اثناء الغزو وحكم بالخيانة العظمى، وبينما هو مسجون سجنا مؤبدا وقابع في السجن الى الآن، لم تسحب منه جنسيته، ومنذ فترة حصل ابناؤه على احقيتهم ككويتيين في السكن بمنطقة سعد العبدالله!!
أليست هذه جريمة؟ ان يكون علاء حسين الصادر عليه حكم نافذ بالخيانة العظمى ومع هذا لم تسحب منه جنسيته هو وابناؤه فالسؤال ماذا فعل «الجبر» حتى تسحب جنسيته هو وابناؤه هكذا!!.
– عندما كادت الكويت ان تضيع في الفترة التي شهدناها جميعا وتصدينا خلالها لكل من اختلفنا معهم فقد تبادلنا السجال والتراشق معهم بالكلمة ومواد الدستور والقانون لم يحدث ان تقدمت الحكومة او فكرت في اقتراف هذه الجريمة.. اليوم «ماذا حصل؟!».
– لماذا يتم سحب الجنسية من رجل لمجرد انه «خصم سياسي» وتنزع منه حق مواطنته – لا – لن نقبل وسنطلق اللاءات الثلاث – لا نسمح ولا نرضى ولا نقبل ان تكون هذه السوابق السوداء في سجل بلدنا المسالم؟!
ليس من حق مجلس الوزراء ولو بمباركة مجلس الامة ان يتجرأ على هذا الفعل!!
– لذلك فانني من كل قلبي ومن واقع مواطنتي ان اشكر الراشد الذي تسامى على خلافه مع احمد الجبر وانتصر للحق الذي طالما كان شعاره مع الاخ د.هشام الصالح والمحامي حسن العيسى ومشاري العصيمي والمحامي الحميدي السبيعي الذين اتفقوا للدفاع عن «الجبر» لان هذه القضية بالذات تعتبر «ام القضايا» لانها تتعلق بالحريات وبحق مكفول لك كمواطن وهي الجنسية!
– اعود لأختم مقالي بأن انهي حواري الذي بدأت به مقالي مع ابني الذي علم من ردودي ان جنسية الجبر سحبت على اساس انه «معارض» لسياسات الحكومة، فقال لي بالحرف الواحد «اذاً الدور سيأتي عليك وفي يوم وليلة سأصبح من «البدون» بسبب مواقفك المعارضة للحكومة»! شعرت بغصة شديدة في حلق ابني بحزن لم أره قبل وبخوف ما كان من المفروض ان يتغلغل بوجدانه في الوقت الذي كان يجب ان يشعر بالامان في دولة الكويت.. الدولة التي تحتضن (134) جنسية.. دولة الحريات (سابقا).

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *