سامي النصف

المئذنة الحمراء

أهداني أحد الأصدقاء الأعزاء كتاب «المئذنة الحمراء»، وهي سيرة ذاتية للأستاذ إبراهيم غوشة الناطق الرسمي باسم حركة حماس سابقا (1991 – 1999) وقد شدني في المذكرات بعض الأمور الهامة التي تخص بلدنا في أحد أحرج وأصعب الأوقات التي مر بها ونعني الغزو الصدامي الغاشم.

للتذكير، فمع بداية الغزو دعت بعض الأنظمة العربية والقوى القومية والإسلامية القيادة السعودية لرفض تواجد القوات الدولية على أرضها «مقابل» إقناع الطاغية صدام بالانسحاب من الكويت أي ما سمي بالحل العربي، وفي ذلك يقول د.غوشة ان الوفد المشكل منه ومن الترابي (السودان) والغنوشي (تونس) والنحناح (الجزائر) واربكان (تركيا) وياسين (اليمن) وشكري وحسين (مصر) ومنير شفيق (فلسطين) وكامل الشريف وخليفة (الأردن) وقاضي حسين (باكستان)، توجه للسعودية في منتصف سبتمبر 90.

ويضيف غوشة ان اللقاء الرسمي مع الملك فهد، رحمه الله، كان ناجحا واستغرق 3 ساعات في الحديث عن سحب القوات، وقال ان الملك ذكر لهم انه لو كان يعلم بأن مفاوضات جدة ستفشل لدفع 3 أو 4 مليارات لصدام لإنجاحها ولمنع الأذى عن الكويت، بعد انتهاء اللقاء توجهوا لرابطة العالم الإسلامي في جدة حيث حاول الترابي والغنوشي إقناع القائمين على الرابطة بتحريم الاستعانة بالقوات الدولية (وتروح الكويت بالطبع في داهية)، بعد انتهاء تلك الزيارة توجهوا لعمان ومنها لبغداد حيث المفاجأة الكبرى وسيرة خزي جديدة لهيكل وأمثاله ممن ادعوا ان صدام كان مستعدا للانسحاب ضمن أكذوبة «الحل العربي».

حسب رواية الغوشة وصل الوفد الكبير لبغداد والتقى صدام فيما يفترض أن يكون محاولة لإقناعه بالانسحاب، وننقل نصا ما نقله شاهد العصر غوشة حول ذلك اللقاء «تحدث الترابي ومحمد خليفة والغنوشي وشكري والآخرون ولكنهم جميعا أخذوا «يشيدون» بصدام حسين ولم يطرحوا إطلاقا المهمة التي جئنا لأجلها – أي الانسحاب من الكويت! وكاد بالطبع الاجتماع ان ينتهي لولا الباكستاني قاضي حسين الذي صعق لربما بكم النفاق العربي والإسلامي فقال لصدام بوضوح وصراحة «نحن نطلب يا سيادة الرئيس أن تعطوا أوامركم بعودة الكويت كما كانت قبل 2/8/90» وكان جواب صدام القاطع «بأنه لو ظل ألف سنة فلا يمكن أن ينسحب شبرا من الكويت»، للمعلومة انسحب سيئ الذكر «الدكر» صدام بعد أقل من 6 أشهر من تلك المقابلة والتعهد الرجولي التاريخي وهكذا «الدكورة»، كما يدعي بكري، ولا بلاش.

والمستغرب، كما جاء في المذكرات، ان الوفد التقى بالرئيس القذافي الذي فتح النار بقسوة على حركة الإخوان المسلمين ولم يرد أحد فاضطر غوشة وهو الأصغر سنا أن يرد، والمستغرب أكثر أن الوفد خرج من ليبيا بطائرة خاصة أواخر شهر ديسمبر 90، أقلت نفس القيادات مرة أخرى لبغداد لإقناع صدام – من تاني – بالانسحاب من الكويت وتكرر الشيء ذاته حيث تفرغ المتحدثون – من تاني كذلك – للثناء الشديد على صدام (يده سخية وجيوبهم وضمائرهم واسعة) ونسوا ما قدموا لأجله واضطر غوشة هذه المرة لأن يكون المذكر بأن هدف الزيارة هو حث صدام على الانسحاب من الكويت.

آخر محطة:

بعد انتهاء ندوة الصالون الإعلامي يوم الاثنين الماضي التي استضافت السيد عبدالعزيز البابطين استنطقه بعض الضيوف على مائدة العشاء للحديث عن دوره ابان الغزو الصدامي الغاشم وكانت الإجابة مسهبة وتحتاج إلى أن تعلن وتدون بماء الذهب لما احتوت عليه من أعمال شجاعة وحكمة وكرم.

 

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *