سعيد محمد سعيد

دروس الصادق(ع)

 

الخطاب هاهنا، يمكن أن يشمل مختلف الإتجاهات، والدينية منها خصوصاً، من مختلف الملل والديانات، باعتبار أن المسألة المطروحة للنقاش تعتمد بالدرجة الأولى على الفهم العميق والناضج لكيفية التعاطي مع وجهات النظر المختلفة والمواقف المتباينة. الخطاب الديني في المجتمع، ولنقل في صورته الغالبة… أي الصورة الأكثر انتشاراً وتأثيراً، هو خطاب مقلق مؤسف، إذ يبنى على التسييس والطائفية وتغليب المصالح الفئوية، فقد بلينا بخط مؤذ ينتهجه خطيب هنا ونائب هناك والناس… بعض الناس، تستمع وتعتبر الخطب المعقوفة حكماً ومواعظ،، من المفيد هنا أن نطلع على مدرسة الإمام جعفر الصادق (ع) التي تميزت على المذاهب الأخرى في عصره بحرية الرأي والبحث، فكان ذلك من أهم أسباب انتشار المعارف الجعفرية وذيوعها. والحق أن مجلس الإمام الصادق (ع) ومدرسته كانا يمثلان منبراً حراً لتلامذته ومريديه، لهم أن يسألوا، ولهم أن يعترضوا، ولهم أن يعبروا عن آرائهم وإحساساتهم بحرية تامة، كما أن من حقهم أن ينتقدوا آراء أساتذتهم، ولم يكن الإمام يفرض على تلامذته رأياً معيناً، ولا كان يطلب منهم الإذعان لرأيه، ومع ذلك، فقد كان الأمر ينتهي دائماً بإذعانهم، بالنظر إلى الأسلوب العلمي الذي كان الإمام يتوسل به للتدليل على رأيه بالحجة الناصعة والمنطق السليم والبيان الرائق. وكان المترددون على دروس الإمام الصادق (ع) يعرفون أن الإمام لن ينفعهم مادياً، بل لعل غشيان مجلسه يعرضهم لتهديدات السلطة الأموية خارج المدينة في أيام الأمويين. فإن عرف عن أحد ولاؤه للإمام الصادق (ع)، لم يأمن على حياته من أعوان الأمويين، ذلك بأن الحاكم الأموي كان يعتبر الإمام وأنصاره من خصوم الخلافة، ومع إنه كان يعلم جيد العلم بأن الشيعة وأنــــصار الإمام لا يملكون من القوة ما يستطيعون به مقارعة حكمه، فقد كان يـعـــدهم خصوماً ألداء له. وهكذا كانت المخاطر تحيط بمدرسة الإمام جعفر الصادق (ع) والمترددين عليها، وكان طلاب المدرسة يعلمون علم اليقين بأن الإمام لا يملك مالاً أو مناصب فيوزعها عليهم، فلم يجتذبهم إلى مدرسته، برغم هذه المخاطر وبرغم انعدام المنفعة المادية إلا إخلاص مستقر في النفس، وإيمان عميق في القلوب، وانجذاب لشخصية الإمام (ع)، وإعجاب بدروسه التي يلقيها ببيانه العذب ويستهدف بها الحقائق وجوهر المعرفة. وكان الإمام الصادق (ع) يؤمن بما يقول، ويأخذ بالواقع لا بالمثاليات، ولهذا لم يتوسل أبداً في دروسه بأسلوب (البوتوبيا) الذي سيطر على تفكير المجتمع الأوروبي منذ بداية القرن السادس عشر الميلادي، ومن هنا انتفت من دروس الإمام الصادق (ع) أية دعوة إلى قيام حكومة مثالية لا تتفق مع واقع الحياة في المجتمع البشري