السلطات في الدول هي أقرب للخيام التي تظلل على الناس فتحميهم من الحر والقر والشر، ولن تظل تلك الخيام الواقية باقية متى ما تسابق البعض منا على كسر أعمدتها ونزع أوتادها وقطع أحبالها وتمزيق نسيجها حتى ينتهي المطاف بنا إلى ما هو قائم في بعض الدول من دم يجري وخراب يسري.
إن هيبة السلطة هي الركن الاساسي في استقرار الأوطان، لذا فمن يريد الإضرار ـ بقصد أو دونه ـ بدولة من الدول أو شعب من الشعوب، يعمد لتشجيع سفهائها على عقلائها وتشجيع العامة على التطاول والتعدي على القانون تحت ألف ذريعة وذريعة، وطريق جهنم ـ كما يقال ـ مليء بأصحاب النوايا الحسنة وأصحاب النوايا السيئة كذلك.
ومن شروط الحفاظ على الخيمة التي تظللنا احترام مرافق القضاء تطبيقا لمواد الدستور، الذي تنص المادة 162 منه على أن «نزاهة القضاة وعدلهم أساس الملك وضمان للحقوق والحريات»، وفي المادة 163 «لا سلطان على القاضي في قضائه ولا يجوز التدخل في سير العدالة»، كما تنص المادة 166 على أن «حق التقاضي مكفول للناس» ولم تخرج المسؤولين من هذا الحق، بينما تنص المادة 167 على ان «النيابة العامة تشرف على شؤون الضبط القضائي..» إلخ. وواضح ان التجمهر على معطى قضية معروضة على القضاء فيه تجاوز على الدستور لكونه تدخلا في اختصاصاته ومحاولة للضغط عليه.
وفي هذا السياق فقد أتت الانباء من القاهرة بتأييد محكمة الاستئناف هناك حكم المحكمة الابتدائية بسجن محرر ورئيس تحرير صحيفة مصرية لمدة عام كامل مع الشغل والنفاذ كونهما تسببا في الاساءة لسمعة فنان مصري، ولم يحتجّ أحد على الحكم أو يتظاهر أو يدع ان به مساسا بحرية الرأي التي تنتهي كما هو معروف عند المساس بالآخرين.
وأحد الاشكالات التي سببت الاشكال الحالي اعتقاد خاطئ لبعض الصحافيين ان للآخرين ان ينتقدوا الوكلاء والوزراء، أما هم فمكانتهم أعلى من مكانة زملائهم، لذا يحق لهم ما لا يحق لغيرهم من توجيه الخطاب والسهام والاتهام لكبار المسؤولين، فهذا ما يرون انه المكانة اللائقة بهم، وهذا وهم وفهم خاطئ لدور الاعلامي والاعلاميين.
ان استخدام الجمهور للتجمهر نصرة لشخص ما دون غيره متى ما خالف القوانين أو تعدى على الآخرين به قفز كذلك على مواد الدستور وروحه التي تحث على المساواة بين الناس (المادة 29 وغيرها)، كما أن به تفخيما وتمييزا لبعض البشر وجعلهم أقرب للانبياء والرسل المعصومين عليهم السلام، كما أنه به مدا للحصانة البرلمانية من نواب الشعب الى جمع مختارين من ابناء الشعب، وليس ذلك من الديموقراطية في شيء.
آخر محطة: (1) نرجو أن تكون هذه المرة الاخيرة التي يتم الحديث فيها عن قضايا مازالت منظورة أمام مرفق القضاء الشامخ.
(2) لنا أن نتباين في الآراء، إلا أن علينا أن نتفق على المعلومات التاريخية الثابتة، ومن ذلك ما أخبرنا به المحامي المخضرم مصطفى الصراف من أن نظرية بقاء 3 دول عربية في الخليج قال بها في السبعينيات أحد وزراء الاعلام الكويتيين البارزين وتناقلتها الصحف آنذاك، أي ان مصدرها محلي، لا شرقي ولا غربي كما يُدعى.
(3) وذُكر في إحدى صحف أمس ان احد الزملاء المبدعين والذي بدأ قبل مدة الكتابة بجريدة «الدستور» المصرية هو أول كويتي يكتب مقالا في الصحف هناك، وللمعلومة بدأت كتابة مقال أسبوعي عنوانه «كل أحد» في جريدة «الأهرام»، المصرية منذ خريف عام 2002 وتوقفت في ربيع 2003 بعد السقوط المفرح والمفجع لنظام صدام حسين في بغداد، كما كتب الزميل فؤاد الهاشم ـ كما أذكر ـ في صحيفة «الأخبار» المصرية، وهذا للتاريخ فقط.
(4) اختفى دون «احم أو دستور» قلم الزميل محمد مساعد الصالح بسبب المرض، نرجو الصحة والسعادة لأبي طلال والعودة سريعا لقرائه ومحبيه، فقدر الكتابة الساخرة في الكويت يقف على ثلاثة: الصالح والهاشم والوشيحي، وعلى الباقي الاعتزال، فدم البعض منهم لا يجاريه في ثقله إلا… الزئبق والحديد..!