سامي النصف

الشيخ القادم من تنبكتو

المكان الكويت والزمان قبل قرن من الزمن، كانت الكويت حينها، وبعكس ما يُعتقد، بلد الحراك الفكري والسياسي والثقافي والأدبي، وقد أضحت مزارا او مستقرا لكثير من شيوخ الإصلاح العرب ومنهم الشيخ محمد رشيد رضا (صاحب المنار) والأديب اللامع مصطفى لطفي المنفلوطي والشيخ التونسي عبدالعزيز الثعالبي والشيخ العراقي نوري الموصلي وشيخ الأحساء عبدالعزيز احمد المبارك.

 

وممن زارها آنذاك الشيخ المصري الشهيد حافظ وهبة والشيخ الأزهري محمد الخراشي وشيخ الإسلام البحريني عبدالوهاب الزياني الذي رثاه الشاعر عبداللطيف النصف بقصيدة منها:

بطل الجهاد ضحية الأوطان لك في الشهادة مرتب الرضوان

هطلت على ذاك الضريح برحمة مزن الرضا وسحائب الغفران

ومنهم السيد محمود شكري الآلوسي الذي رثاه الشاعر نفسه بقصيدة منها:

لقد دُهي الإسلام يوم وفاته بما لو أصاب الدهر أصبح جاثيا

بكى المسجد الأقصى عليه بعَبرة وأضحى له البيت الحرام مُجاريا

 

وممن أقام في الكويت في تلك الفترة الشيخ القادم من قرية «تنبكتو» الواقعة في جمهورية مالي على الحدود مع موريتانيا، واسمه كما أتى في كتاب سيرته الذاتية الذي خطه المؤرخ عبداللطيف الخالدي، فال الخير ابن اعمر كداش الحسني الملقب بـ «الشيخ محمد أمين الشنقيطي» وقد ارتحل من الكويت الى العراق لمحاربة الانجليز مبقيا عائلته دون عائل في الكويت، وفي ذلك تذكر ابنته عائشة أنهم عاشوا حياة رغدة بسبب كرم أهل الكويت وحبهم لعمل الخير، ولم يحتاجوا خلالها إلى أحد طوال 6 سنوات.

 

وقد التحق الشيخ الشنقيطي من نجد بموكب الشيخ احمد الجابر – قبل توليه الحكم – المتجه الى الحج وعاد معه الى الكويت ثم ارتحل الى الزبير حتى تقلد صديقه الشيخ احمد الجابر الحكم فعاد الى الكويت مستقرا بها وقد فرح أهل الكويت بعودته الميمونة بعد سنوات من الاغتراب، وقد ألقى الشاعر عبداللطيف النصف قصيدة مرحبا بوصول الشيخ الإسلامي الكبير ومما جاء فيها:

أمعطر الإسلام من نفحــاته ومعيد روض الدين وهو نضير

والمرسل السحر الحلال منقحا يوحيه فكر ثاقب وضمير

بشـرى لهذا الثــغر لما زرته فلكم تمنت أن تراك ثغور

 

آخر محطة: (1) في تلك الحقبة المبكرة تم كذلك صبغ الصراع «السياسي» بين الامبراطوريات الأوروبية إبان الحرب العالمية الأولى بالصبغة «الدينية» وتم الادعاء بأنها حرب بين المسيحية والإسلام ودُعي المسلمون للانضمام الى الجيش العثماني الذي تقوده حكومة الاتحاد والترقي التي نكلت بأحرار العرب، ولم يُخدع بذلك النداء كثير من العلماء والقادة العرب امثال الشيخ مبارك والملك عبدالعزيز والشريف حسين وشيخ المحمرة وقد اثبت التاريخ صحة مسارهم ورؤيتهم.

(2) أرجو أن نضع في الحسبان دائما عند تصرفنا ما سيكتبه التاريخ عنا بعد مائة عام.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *