في مثل هذه الأيام من عام 1971 فقدت عزيزا لي وقد شاهدته في المنام قبل أيام يسألني عن حال الكويت وهو الذي تركها عندما كانت بالفعل لؤلؤة الخليج المتألقة والسباقة في كل مناحي الحياة فماذا بإمكاني أن أجيبه عن تساؤلاته؟!
هل أقول له ان ديموقراطية البناء والتعمير والتخاطب الراقي في أيامهم تحولت في أيامنا هذه الى لعبة سياسية مسخ لا يعرفها من انشأها من الآباء المؤسسين، وانها استبدلت البناء بالهدم والتعمير بالتدمير، والتخاطب الراقي بالألفاظ التي يستحي منها حتى أبناء الشوارع؟ واذا كان الآباء المؤسسون قد ضحوا بمصالحهم الخاصة لأجل المصلحة العامة، وبأموالهم الخاصة للحفاظ على الأموال العامة فقد انعكس الحال وأصبح أرخص ما يضحى به هذه الأيام هو مصلحة الوطن وأمواله لأجل ملء جيوب لا تمتلئ أبدا.
وهل أحدثه عن أوضاعنا الاقتصادية التي كانت في أحسن حال وسعر البرميل في أيامهم لا يتجاوز الدولار الواحد بسبب الحكمة والحنكة وحسن التدبير فأضحت هذه الأيام مصيبة المصائب رغم ان سعر النفط تجاوز 80 دولارا، ووصل قبل عام الى 150 دولارا ومع ذلك نعيش في كوارث وأزمات مالية لا تعاني من مثلها بلدان مليارية الأعداد كالهند والصين.
وهل أخبره عن ضياع القدوات الحسنة في السياسة والاقتصاد ومجالات الحياة الأخرى وحتى لدى رجال الدين وهم من يفترض بهم أن يكونوا قمم الفضيلة والزهد والصدق والتجرد، فقد جرفتهم السياسة والمصالح الضيقة فيما جرفت، وأصبحت لهم قصور شاهقة تفوق قصور الأباطرة والقياصرة وأصبحت آراء ومواقف البعض منهم للأسف تباع وتشترى في أسواق نخاسة المال والذهب الرنان.
أما الوحدة الوطنية يا عزيزي الراحل الكبير فقد أصبحت شعارا يطنطن به ويرفع دون مضمون وكلاما يقال دون ان يفقه قائله معناه واستحقاقاته، فليس من الوحدة الوطنية في شيء كما تعلمون ان يقدم ولاء العائلة أو القبيلة أو الطائفة أو ولاء الدول الأخرى على الولاء للوطن، وليس من الوطنية ان يتم التجاوز على الأموال العامة بدلا من دفع الضرائب والأموال لدعم الميزانية العامة، لقد قتل وطننا بعد رحيلكم على يد الغريب وتُقطع أوصاله وينحر من الوريد الى الوريد هذه الأيام على يد أبنائه ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وإن كان الجيران والآخرون يأتون في أيامكم لبلدنا للعلاج والتعليم والسياحة والاستثمار فقد أصبحنا ولله الحمد والمنة نصدر السائحين والمستثمرين والطلبة والمرضى لبلدانهم، اما انجازاتنا الرياضية فقد تحولت الى اخفاقات بعد ان تسابقنا على الاستعانة بالغريب على القريب، ولن أحدثك عن النهضة الأدبية والشعرية والمسرحية ومعرض كتاب الكويت الشهير، فجميع تلك الأمور أصبحت من المحرمات لا يجوز ممارستها أو الحديث عنها.
آخر محطة:
أسوأ ما يحدث في أيامنا هذه هو ان الجميع يتحدث عن المستقبل «المجهول» ولا أحد يتحدث عن المستقبل المشرق الزاهر.