لم تعد القضية وبعكس ما يعتقد البعض بقاء رئيس الوزراء من عدمه، فكما هو مكتوب على قصر السيف الذي يمارس الحكم منه «لو دامت لغيرك ما اتصلت اليك» فقد اكتشف أخيرا نقطة ضعف الدستور الكويتي الكبرى أو كعب اخيل المميت فيه مما يهدد بشلل وتدمير الحياة السياسية الكويتية للأبد وتأجيل عمليات التنمية لأجل غير مسمى.
فلو تصورنا اننا احضرنا رئيسا للوزراء من الفضاء الخارجي بقدرات خارقة في الأداء وقلة الأخطاء وسهولة الوقوف على المنصة سواء كان من الأسرة الحاكمة أو خارجها، رئيس كهذا لن يستطيع ممارسة عمله او اظهار تميزه وابداعه للحظة بعد اكتشاف النواب حقيقة سهولة تقديم استجواب مهما كانت هشاشته وضعفه له ومن ثم ارغامه على ترك مشاغله والتفرغ لذلك الاستجواب الذي يستهدف رأسه على حساب أعماله الأخرى التي تستهدف خدمة البلد ومواطنيه.
وتظهر محاضر المجلس التأسيسي ان أحد كبار مؤسسي الدستور الكويتي الذي نستظل بظله وهو كبير الخبراء الدستوريين د.عثمان خليل الذي كان يقف بشكل دائم مع الصف الشعبي والوطني مقابل الأستاذ محسن حافظ الذي كان يقف مع النظام، كان يقف بشدة ضد اعطاء اعضاء مجلس الأمة حق استجواب رئيس الوزراء وكان يصر على الاكتفاء برفع مذكرة عدم تعاون لاظهار عدم الرضا على اداء الرئيس.
فيقترح د.عثمان خليل في جلسة الثلاثاء 5/6/1962 عند مناقشة مواد 100، 101، 102 المختصة بالاستجوابات ما يلي نصه: «اما رئيس مجلس الوزراء فغير مسؤول لدى مجلس الأمة» ويضيف مبررا ذلك بما يلي: «ان عيب النظام البرلماني الأساسي هو مناوراته المتواصلة لاسقاط الوزارة بشكل مستمر ومسرف، هذه المناورات يبطل مفعولها السيئ وخطرها اذا اقتصرت المسؤولية على الوزير دون رئيس الوزراء» ويضيف د.عثمان كذلك: «ان مقترحه اكثر كفالة للاستقرار السياسي في البلد عندما يكون رئيس الوزراء غير مسؤول عن اي موضوع تنفيذي امام مجلس الأمة وانما يمثل السياسة العامة للحكومة دون تولي وزارة خاصة».
وفي جلسة 16/6/1962 يقول د.عثمان: «لم أجد دولة في العالم يعيش فيها الحاكم والمحكوم كأسرة واحدة مثل الكويت وفي اعتقادي ان كل الامتيازات المعطاة لإحدى السلطتين (حق الاستجواب.. الخ) لن تستخدم الا نادرا» (هذه هي الروح الحقيقية للدستور الكويتي ولآبائه المؤسسين).
ويضيف في نفس الجلسة: «بالنسبة للمادة (100) من الدستور ذكرنا ان رئيس الوزراء غير مسؤول وأنه لا تبعية او مسؤولية عليه لدى المجلس» وردا على من طالب بمحاسبة واستجواب الرئيس من الأعضاء أجاب: «اننا بتلك المحاسبة قد جعلنا دستورنا برلمانيا بحتا وهذا ما اتفقنا على تجنبه ومحاولة التوفيق بين النظام البرلماني والرئاسي» انتهى.
واضح من نصوص وروح الدستور التي ابعدت رئيس الوزراء عن تولي اي وزارة ولا تسمح لمجلس الأمة بطرح الثقة به (المادة 102) بعكس ما هو قائم في «جميع» الديموقراطيات الأخرى ان المراد والقصد والهدف «الوحيد» لتلك المادة هو اعطاء ذلك المنصب الاستقرار السياسي اللازم وإبعاده عن الابتزاز والتقلبات السياسية التي تغلب على الأنظمة البرلمانية، وهو أمر لا يتحقق الا بابعاده كذلك عن الاستجوابات، لذا فاستسهال توجيه الاستجوابات للرئاسة في هذه الحكومة أو أي حكومة أخرى فيه خروج كامل عن روح ونص الدستور الكويتي المتباكى عليه.
آخر محطة:
بعيدا عن السياسة، اقترح على كل من يقرأ هذا المقال ان يتوجه هذا المساء لمدينة الأحمدي وسيذهل من جمال الزينة والاضاءة وروعة المدينة ولن يصدق انه لايزال في الكويت، اذهب ولن تندم واشكر المحافظ المبدع.