أهدانا السفير عبدالله بشارة كتابه الجديد «حروب الكويت الديبلوماسية» للفترة المضطربة الممتدة من 1961 إلى 1963 والتي تعرضت خلالها الكويت لمطالـــبات عـــبدالكريم قاسم المفاجئة بضمها للعراق رغم برقيته المهنئة للكويت بعد يوم من استقلالها وترحيب مندوب العراق في الأمم المتحدة قبل ذلك بأيام بانضمام الكويت لاحدى منظماتها الدولية.
واضح ان امرا ما قد حدث خلال الأيام القليلة التي تلت اعلان الاستقلال، مما دعا قاسم لتغيير رأيه والمطالبة بالكويت، وتلك المتغيرات السياسية – لا الوقائع التاريخية – هي للعلم من فرض عليه تلك المطالبة، وقد يكون منها على السطح وقبل الدخول في أعماق بحور السياسة المخادعة والمضطربة، الرغبة باشغال الوضع الاقتصادي والسياسي السيئ في الداخل بمطامع ومشاكل الخارج، اضافة الى تلبية المطالب الوحدوية للمعارضة القومية العراقية رغم رفض حزب البعث العراقي في بيان صدر له من دمشق لتلك المطالبات.
يتفق الكتاب على ان هناك غموضا كبيرا يحيط بسبب دعاوى قاسم العراق ويشير لمرجعين في هذا الصدد هما مذكرات السيدة مارتا دوكاس وكتاب المؤرخ والصحافي العراقي احمد فوزي اللذين يريان ان الاتحاد السوفييتي هو من حرض قاسم على افتعال تلك الأزمة، ثم دعم موقفه عبر استخدام الڤيتو في الامم المتحدة لمنع الكويت من الانضمام لها واستكمال اجراءات استقلالها.
لسبر غور تلك القضية المهمة والشائكة علينا ان نلم بالوضع الجيواستراتيجي السائد في المنطقة آنذاك، فقد رفع الرئيس عبدالناصر شعار وحدة العرب وتحركت الشعوب وتساقطت الأنظمة تعاطفا معه وساءت علاقته بالاتحاد السوفييتي بعد ثورة الشواف ومجازر الشيوعيين في الموصل، وبقي في الوقت ذاته على علاقة متوترة مع الغرب بعد ثورتي لبنان والاردن ولم تكن قواه الذاتية بحجم تحدي القوى الكبرى في الشرق والغرب.
آنذاك وكما حدث في عام 90 تم الحديث دون بينة أو قرينة عن تحريض بريطاني لقاسم كي تتم عودة القوات البريطانية للكويت، وبالطبع كانت تلك النظرية تفتقر في حينها للوثائق الداعمة لها، كما تفتقد المبررات المنطقية والدوافع، حيث ان بريطانيا هي من منح الكويت استقلالها دون حرب، فلماذا تفتعل تلك الدعاوى لارجاع قواتها لبلد اعطته استقلاله قبل أيام؟!
في الوثائق البريطانية التي صدرت قبل سنوات قليلة – وهذا خارج مضمون الكتاب – مخطوطات سرية للغاية اتى فيها ان السفير البريطاني في بغداد مايكل رايت كان يرى ضرورة دعم نظام قاسم رغم ميوله الشيوعية للوقوف امام قوة ناصر وتوجهاته القومية والوحدوية كي لا يتم اسقاط ما تبقى من الأنظمة الصديقة للغرب، ومن ذلك فالسفير رايت هو من أنذر قاسم بمحاولة انقلاب رشيد عالي الكيلاني عليه، حيث يرى السفير ان المد القومي لا الشيوعي هو الخطر الحقيقي والواقعي على المصالح الغربية.
ومثل هذا، الوثيقة السرية الصادرة من الخارجية البريطانية رقم 8516 الى واشنطن والتي تدعو الى عدم اظهار الدعم الغربي المكشوف لقاسم.
اذا ما صدقنا تلك الوثائق يتضح ان سبب الازمة هو تحريض الروس وسكوت – ان لم نقل تواطؤ – المعسكر الغربي لا بقصد القبول باحتلال الكويت من قبل قاسم، بل السماح له فقط باختلاق المشاكل التي تحرج ناصر أمام العراقيين والشعوب العربية، فكيف لمن يدعو للوحدة العربية ان يعارض مشروع الوحدة او الضم العراقي؟! كما تقسم تلك الأزمة الوطن العربي لمعسكرين متضادين.
آخر محطة:
العزاء الحار لأهل الفقيد قاسم افيوني ولحرمه ولأبنائه وللعاملين في دار «السياسة» الغراء، للفقيد الرحمة والمغفرة ولأهله وذويه الصبر والسلوان و(إنا لله وإنا إليه راجعون).