ليس هناك أكثر خطأ من التنظير الرقمي أو النوعي للأزمات السياسية وتحبيبها للعامة والمزايدة على نواب الاستجوابات والأزمات ممن باتوا يدعون – وهو أمر طيب – للتفرغ لعمليات التنمية وحل مشاكل الناخبين الحقيقية بدلا من التفرغ لعمليات الاستجواب التي خرجت، للعلم ومنذ زمن بعيد، عن مقاصدها الخيرة عندما باتت تستهدف المصلحين وتغض النظر عن المتجاوزين وتبحث عن الهوية في المحاسبة لا عن القضية وتروم دغدغة المشاعر لا البحث عن طرق الإصلاح والوصول للحقيقة.
يستنكر أحد المختصين مقولة ان الاستجوابات تعطل عمليات التنمية عبر القول ان الحكومة لم تقدم منذ منتصف الثمانينيات اي خطة خمسية للتنمية!
وهو استشهاد عجيب وغريب بنظري، حيث انه يفترض انه لا تنمية قامت او تمت في البلد منذ ذلك الزمن البعيد، اي ان التنمية الحقيقية بذلك المفهوم تقاس بالحبر والورق لا بالحديد والاسمنت ولا حتى بالواقع الذي نعيشه والذي نشاهده كل يوم من قفزات ضخمة تمت في البلاد خلال العقدين الماضيين، حيث أستمع شخصيا بشكل شبه يومي لكلمات اعجاب شديدة من الاخوة العراقيين الذين تركوا الكويت في الثمانينيات واصبحوا يذهلون لما يرونه قائما هذه الأيام من المطار حتى المطار.
وطرح كهذا يجعل المرء يشك حتى في صحة شقه النظري، فهل حقيقة لا توجد خطط تنموية في البلد منذ منتصف الثمانينيات فقط لعدم وجود مسمى خطة خمسية؟!
الواقع انني اطلعت قبل مدة على خطة برنامج عمل الحكومة للسنوات الأربع المقبلة وهي خطة طموحة وتعتبر من صلب العمل التنموي، حيث تشتمل على مشاريع ضخمة في كل قطاع من قطاعات الدولة، موزعة على السنوات الاربع المقبلة، ومعها المبالغ المالية والاعداد البشرية والتشريعات اللازمة لتحقيقها، فإذا لم تكن تلك خطة تنموية فما هي الخطط التنموية اذن؟!
ومما لا شك فيه ان الاستجوابات والأزمات السياسية واستقالة الحكومات المتعاقبة كنتيجة لتلك الأزمات والتغيير الشهري للوزراء وتفرغهم خلال المدد القصيرة للاستجوابات والواسطات التي تقتات على الاستجوابات تؤثر بشكل مباشر على متابعة تلك المشاريع الحيوية التي تتحول الى ادوات استجواب وحطب لنيران الأزمات المتلاحقة.