سعيد محمد سعيد

وأسأل عن الخمسين… راحت أي وادي؟

كلما طالعت تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية السنوي، وتجولت في محتواه وفيما تنشره الصحافة المحلية، تصدح حولي كلمات الشاعر البحريني الشعبي المجهول التي سُجلت وانتشرت بشكل كبير أيام الجدل الذي دار حول الخمسين ديناراً «الإعانة» بالطور «البحراني»:

الناس ملـت وشبكـت الـراس بعشرهـا * وناسٍ تدق لطبول وناس تـدق صدرهـا

ونـاس مشغولـة وتدفـن فـي بحـرهـا * وتسأل عن الخمسين يا نـوّاب وينـه؟

***

اصطكـت علي دنيـتـي وأظـلـم الــوادي * خلوني أجوب المملكـة وأصـرخ وأنـادي

وأسأل عـن الخمسيـن راحـت أي وادي * من حقي أسأل راحـت الخمسيـن وينـه؟

سأعود بالقارئ الكريم إلى العام 2006، حين نشرت «الوسط» تقريراً تحت عنوان: «كشف المستور أم ستر المكشوف في تقرير ديوان الرقابة المالية… عشرات الأسئلة تحصر الذمم في الحفاظ على المال العام»، وكان التساؤل الرئيسي القائم حتى اليوم هو: «هل يكفي إصدار التقارير لكشف التجاوزات… فماذا بعد؟ وهل كشف التقرير المستور أم ستر المكشوف؟».

قطعاً، نحن كمواطنين، ندرك أهمية هذا الجهاز الذي يتولى أعمال الرقابة النظامية ورقابة الالتزام، ولذلك، فإن النتيجة الأولى، هي وضع اليد على التجاوزات وضبطها، كما أن دور الديوان لا يقتصر على مجرد الكشف عن المخالفات وضبط المخالفين وتقديمهم إلى العدالة، إذ إن مساعدة الجهات الخاضعة للرقابة على أن تدير شئونها بأسلوب مؤسسي يستند إلى القوانين والأنظمة والإجراءات المنظمة لأعمالها، يعتبر من العوامل الأساسية التي تساعد تلك الجهات على تطوير أدائها وسد الثغرات التي تستغل في ارتكاب المخالفات والتلاعب بالمال العام.

وإذا كانت التجاوزات والمخالفات تتكرر في التقارير السنوية، لماذا لا نرى حزماً لتقديمهم إلى المساءلة القانونية ومحاكمتهم؟ ولماذا أصبح من الاعتيادي تكرار عبارة: «يوجد فساد لكن لا يوجد مفسدون!»، ففي كل إصدار للتقرير، تفوح التجاوزات التي تثير الشعور بالخطر الكبير وخصوصاً مع التغاضي عن المتورطين وعدم تقديمهم إلى العدالة، وقد طرح الكثير من الكتاب والمهتمين آراءهم على مدى سنين مضت محورها أن التباطؤ في إزالة مواطن الفساد والقائمين عليه ليس في صالح مسيرة الإصلاح أبداً بل هو في صالح جبهة الفساد والمفسدين، لأن التأخير في مجابهتها – بالقانون – يعطيها فرصة المناورة وإعادة رسم ملامحها الشخصية والموقعية، ويمنح ذلك فرصة للمتورطين للعمل على إزالة علامات الجرائم المالية والإدارية والحقوقية التي قد تصل إلى ضبطهم بالجرم المشهود عند الملاحقة.

ومن الأوراق المهمة التي طرحت في هذا المجال، نعود إلى جمعية البحرين للشفافية، فقد عقدت العديد من الندوات واللقاءات بكل مسئولية لتؤكد أن ديوان الرقابة يلزم أن يقوم بدور حاسم ومؤثر في مواجهة إحدى التحديات الكبيرة التي يواجهها المشروع التحديثي باعتبارها جهازاً مستقلاً عن السلطة التنفيذية، ويتمتع كذلك بصلاحية التأكد من صحة الشكاوى التي تصل إليه والمتصلة بممارسات منافية للقوانين من قبل المسئولين والموظفين في مؤسسات القطاع العام. ومن أجل أن يمارس ديوان المظالم دوره بفعالية لابد من توافر مبادئ أساسية تحكم عمله، منها توفير قناة يلجأ إليها المواطنون الأفراد والشركات للتظلم، والشكوى من قرارات أجهزة السلطة التنفيذية ومؤسسات الدولة المختلفة وسهولة الإجراءات المتبعة لتقديم التظلمات والشكاوى وسرعتها، بالإضافة إلى ضرورة توافر السرية والحماية للمواطنين الراغبين في التقدم للتظلم والشكوى وسرعة وفعالية النظر والبت في التظلمات والشكاوى التي تصل إلى الديوان.

أين يكمن الخلل؟ وهل سيبقى الحال كما هو مع إصدار تقارير الديوان السنوية لتتكدس المخالفات؟ أليس من المفترض أن ندخل مرحلةً جديدة رقابياً للحفاظ على المال العام؟ إننا على ثقة تامة من أن الديوان يمارس دوره (الوطني) في مكافحة جميع مظاهر الفساد، ولابد أن تشمل صلاحيات الديوان التأكد من التزام المسئولين بالقوانين وحرصهم على رفع مستوى كفاءة استخدام الأموال العامة وفعاليتها، ومن الأهمية بمكان مواجهة الفساد ليس من خلال الديوان كمدقق خارجي للسلطة التشريعية فحسب، بل من خلال صلاحياته في تطوير النظم المالية والتدقيق الهادفة إلى مواجهة الفساد المالي والحد من إهدار المال العام.

ولربما «سيصدق» الشاعر الشعبي حتماً حينما يتساءل:

وأسأل عن الملايين راحت أي وادي؟

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *