أ.د. محمد إبراهيم السقا

ضريبة السلع الانتقائية في دول مجلس التعاون

فرضت الأوضاع المالية الجديدة لدول مجلس التعاون بعد تراجع أسعار النفط ضغوطا على تلك الدول لإجراء برامج للإصلاح المالي، كان إدخال الضرائب على رأس قائمة الخيارات التي تم اللجوء إليها. من بين أهم الضرائب المقترحة ضريبة المبيعات على سلع محددة أو ما يسمى بضريبة السلع الانتقائية، والضريبة على القيمة المضافة وهما من أشكال الضريبة على المبيعات. عن النوع الأول أتحدث اليوم.

ضريبة المبيعات تتكون من نوعين من الضرائب، الضرائب الخاصة والضرائب العامة على المبيعات. الضرائب الخاصة هي ضرائب تفرض على سلع محددة، وقد تكون بنسبة محددة أو على أساس القيمة. أما الضرائب العامة على المبيعات فتأخذ أشكالا كثيرة، مثل الضريبة على المصنع للسلعة، يدفعها صانع السلعة ليحاول تحصيلها بعد ذلك من المستهلك، أو الضريبة على المستهلك التي تفرض عليه بصورة مباشرة عندما يشتري السلعة.

وقد تم إقرار ضريبة السلع الانتقائية انطلاقا من حرص دول المجلس على تفعيل دور الضرائب في الحد من استهلاك ما هو ضار بالصحة لتتكامل جهود مواجهة استهلاك هذه السلع، ومن أهمها منتجات التبغ والمشروبات الغازية ومشروبات الطاقة مثلما ستفعل السعودية التي أنشأت لها وزارة الصحة برنامجين للنهوض بهما على أكمل وجه وهما برنامج مكافحة التدخين للحد من استهلاك منتجات التبغ وآثارها، والبرنامج الوطني للغذاء المتوازن والنشاط البدني، الذي يشكل الحد من استهلاك المشروبات الغازية ومشروبات الطاقة والمرطبات المحلاة بالسكر وآثارها أحد أهم أهدافه.

من بين النوعين من الضريبة على القيمة المضافة والضريبة الانتقائية سوف تكون ضريبة القيمة المضافة الأقل في معدلها، حيث من المقترح أن تكون في حدود 5 في المائة، أما ضريبة السلع الانتقائية فسوف تفرض بمعدلات أعلى ولكن على مجموعة منتقاة من السلع والخدمات. لاسيما أنها ستفرض على سلع يرى كثيرون منعها أو رفع أسعارها على اعتبار أن بعضها ضار بالصحة، وإن كانت السجائر أكثر السلع استهلاكا واستخداما في الدول الست فإنها ستحظى بضريبة عالية لتضخ عائدا كبيرا.

بشكل عام قد تكون ضريبة المبيعات نسبية، بمعنى أن معدل الضريبة يكون ثابتا حتى مع زيادة أساس الضريبة. أما الضريبة الانتقائية فهي ضريبة تفرض على سلعة أو سلع محددة وبمعدلات للضريبة أعلى من تلك المعمول بها في الدولة، على سبيل المثال إذا كانت ضريبة المبيعات 5 في المائة، فإن الضريبة الانتقائية قد تفرض بمعدل 15 في المائة مثلا.

ومن الواضح تعدد الأهداف التي تستهدفها الحكومات من الضريبة الانتقائية ولعل أهمها هو الحصيلة، وهنا يكون الهدف من الضريبة جبائيا، أي الحصول على أكبر إيراد ممكن من الضريبة. أو قد تفرض الضريبة لأغراض أخرى والأمثلة هنا كثيرة، على سبيل المثال قد يكون الهدف الحد من استهلاك سلعة محددة، مثل السلع الفاخرة أو ذات الاستهلاك التفاخري التي تغذي أنماط الاستهلاك الضار، أو قد يكون الهدف هو الحفاظ على الصحة العامة، على سبيل المثال ضريبة السجائر، وغير ذلك من الأهداف لفرض هذه الضريبة.

فرضت الضريبة الانتقائية على سلع محددة لفترة طويلة جدا في الولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال الضريبة الانتقائية على الخمور، كانت من أكثر الضرائب استخداما. كما استخدمت الضريبة الانتقائية على البنزين، ولقد كان من بين العيوب التي اكتشفت في الضريبة الانتقائية عندما يتم استخدامها بشكل حصري أنها لا تنتج ذلك القدر من الإيرادات التي تنتجها الضريبة العامة على المبيعات. بالطبع الإيرادات سوف تكون أكبر عندما يتم استخدام الشكلين من أشكال الضرائب سويا، أي الضريبة العامة والضريبة الانتقائية جنبا إلى جنب وهذا ما تنويه دول مجلس التعاون في برنامج الإصلاح الضريبي الحالي.

بالنسبة للضريبة على استهلاك السلع الفاخرة أو الكمالية، وهي السلع غالية الثمن التي غالبا ما يشتريها المستهلك بهدف التفاخر أو إبراز ارتفاع مستوى دخله أو مكانته في المجتمع. مشكلة هذا النوع من الاستهلاك أنه يشيع في المجتمع ما يسمى بدافع المحاكاة أو التقليد، وهو إقدام الأفراد ذوي الدخول الأقل على تقليد سلوك مرتفعي الدخول بشراء هذه السلع غالية الثمن، وهو ما يجر كثيرا من المستهلكين إلى فخ الديون أو انخفاض مستويات ادخارهم.

مثل هذا السلوك الاستهلاكي الضار، في حاجة إلى السيطرة عليه، من خلال فرض ضرائب مرتفعة تمنع مثل هذا النوع من الاستهلاك. بالطبع الهدف من مثل هذه الضريبة متعدد، فهي تؤدي إلى جباية إيرادات للدولة وفي الوقت ذاته تعمل على تقليل الواردات من مثل هذه السلع أو تقليل عمليات إنتاجها محليا ومن ثم توجيه الموارد نحو أوجه أكثر فائدة للمجتمع.

من أهم الآثار التوزيعية للضريبة هو تأثيرها في ذوي الدخل المحدود، فإذا كانت الضريبة تفرض على السلع الاستهلاكية الأساسية، فإن جانبا كبيرا من الضريبة سوف يدفعه ذوو الدخول المحدودة الذين ينفقون الجانب الأكبر من دخولهم على الاستهلاك، لكن عندما يتم استبعاد الضروريات من المواد الغذائية والملابس وغيرها من قاعدة ضريبة المبيعات، يتم تقليل التأثير الارتدادي للضريبة على ذوي الدخل المحدود

من المفترض أن أثر ضريبة المبيعات يكون على البائع؟ باعتباره الشخص الذي يدفع الضريبة للدولة، ولكن هل يعني ذلك أن من يتحمل ضريبة المبيعات هو البائع، الإجابة بالطبع لا، صحيح أن البائع هو من سيتولى دفع الضريبة للدولة عن مبيعاته من السلع والخدمات الخاضعة للضريبة، لكنه في جميع الأحوال سيحاول أن يحول جانبا من الضريبة أو كل الضريبة على عاتق المشتري.

ولكن ما الذي يحدد قدرة البائع على طرح الضريبة على عاتق المستهلك، الإجابة هي مرونة الطلب على السلعة، فإذا ما كان الطلب على السلعة مرتفع المرونة، فإن المستهلك؟ في هذه الحالة يستطيع الاستغناء عن استهلاك السلعة، في مثل هذه الحالة يقع العبء الأكبر للضريبة على البائع، أما إذا كان الطلب على السلعة غير مرن، بمعنى أن قدرة المستهلك على الاستغناء عن استهلاك السلعة محدودة فإن البائع يمكنه في هذه الحالة رفع سعر السلعة بنقل الجانب الأكبر من الضريبة أو كل الضريبة عليها دون أن تتأثر مبيعاته، في هذه الحالة المستهلك هو من سيتحمل العبء الأكبر من الضريبة.

وأخيرا تجب الإشارة إلى أن عملية تطبيق الضريبة لن تكون سهلة أو هينة، خصوصا أنه لا توجد إدارات ضريبية أصلا في معظم دول المجلس لمثل هذه الضرائب ولا يوجد الفرق الفنية المتخصصة في فرض الضريبة ومتابعة عملية تحصيلها بالكفاءة المناسبة.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

أ.د. محمد إبراهيم السقا

أستاذ الاقتصاد – جامعة الكويت
[email protected]
@elsakka

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *