إبراهيم المليفي

إلى ديوان المحاسبة

لا شك أن الدور الحيوي الذي يؤديه جهاز ديوان المحاسبة في كشف مواطن الهدر في المال العام وتسليط الضوء على بؤر الفساد المستشري في مؤسسات الدولة أمر ضروري وحاجة ملحة تكتسب صفة الديمومة، خصوصا في هذا الوقت الذي يرزح فيه الجهاز الإداري تحت وطأة المحسوبية والانفلات من كل قيد.

ولعلمي المبني على التاريخ الناصع لجهاز المحاسبة في البحث عن كل ما هو جديد في عالم الهدر في المال العام والحرص على تلافي وقوعه أو الحد من استفحاله، فقد وجدت في ما اعتبرته ثغرة -أظن- أن ديوان المحاسبة لم ينتبه إليها من قبل، تلك الثغرة تتعلق بكيفية تعامل بعض الوزارات مع الموظف الذي يدخل المرحلة التمهيدية قبل ولوجه النهائي إلى الوظيفة الإشرافية بما يترتب على ذلك من امتيازات مالية.

تبدأ تلك الثغرة عندما تصدر قرارات الندب في حق مجموعة من الموظفين تمهيدا لترقيتهم إلى مناصب إشرافية (رئيس قسم، مراقب، مدير إدارة) وكما هو معروف ولزوم “البرستيج” والتأكيد على إسباغ صفة المسؤولية على المنتدبين الجدد يتم صرف امتيازات خاصة كالسيارة (للمدير) والمكتب والأثاث لن تسحب سوى من جيب المال العام، تلك القرارات التمهيدية، وهنا بيت القصيد، ليست محصنة من الطعن لأن مآلها يسير في ثلاثة اتجاهات رئيسية:

الأول: رجوع الإدارة عن قرارها من تلقاء نفسها إما لقناعة بأن من كلف لا يستحق الترقية الوشيكة، أو هبوب عاصفة التغيير الوزاري، أو التدوير المفاجئ لبعض الوكلاء المساعدين، وكالعادة يطيح العهد الجديد بكل قرارات العهد البائد.

الاتجاه الثاني وديوان المحاسبة، يعرف ذلك جيدا، هو صدور أحكام قضائية نافذة تصب في مصلحة موظفين تم تخطيهم بالترقية عن عمد لأسباب لا علاقة لها بالكفاءة أو القدرات الاستثنائية، الأمر الذي يترتب عليه لا محالة إلغاء قرارات الإدارة بقوة القانون، وعودة صاحب المنصب المبطل لما كان عليه قبل ولوجه منصبه السابق.

الاتجاه الثالث وهو الذي يفترض أن تنتهي إليه جميع القرارات المدروسة، هو تثبيت صاحب المنصب الإشرافي في منصب دون وجود أي مطالبات مستحقة بمنصبه.

الأسئلة التي يجب أن توجه إلى ديوان المحاسبة الآن هي: هل تعلمون مقدار الهدر في المال العام بسبب منح بعض الوزارات امتيازات المنصب الرسمي لموظفين لم يحصلوا عليها، رسميا ونهائيا، خصوصا وأنتم من بين أكثر الجهات دراية بكمّ القضايا المتراكمة في المحكمة الإدارية، والأكثر قربا من القرارات العبثية التي يصدرها قياديون لأسباب لا صلة لها بالمصلحة العامة؟ وهل حسبتم مقدار ما أهدر من المال العام لأجل المسؤول المبطل والقادم الذي سيحل مكانه، وقد يواجه المصير نفسه؟ وأعلم أن بعض الجهات ترفض الصرف للحالات المذكورة هنا، ولكن هل يوجد نص يمنعها لو أرادت لمثل تلك الحالات؟

في الختام هذه رسالة للإخوة المسؤولين المعنيين في ديوان المحاسبة لتدارس ثغرة امتيازات المناصب الإشرافية في مرحلة الندب من خلال وضع قيد رقابي يمنع الجهة الحكومية من صرف المميزات المصاحبة للقرارات الإدارية غير المحصنة قانونا، وأنا على ثقة بأنهم مهتمون برصد وملاحظة كل ما هو جديد في عالم الهدر في المال العام.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

إبراهيم المليفي

كاتب ومحرر في مجلة العربي الثقافية منذ 1999 وصاحب زاوية الأغلبية الصامتة بجريدة الجريدة منذ 2010

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *