سعيد محمد سعيد

سمعاً وطاعةً يا مولاي… سنوقف المطر!

«أيها القادة والزعماء: إحذروا المبخِّرين والمبجِّلين والمطبّلين والمزورين والمهرجين… إحذروا المنافقين»

الكاتبة اللبنانية أمل زيد

***

يقال والعهدة على الراوي، أن أحد الأمراء خرج في رحلة صيد مع حاشيته، وكان ذلك الأمير يكره المنافقين لكنه يتسلى بنفاقهم، فمر ذات يوم من أيام رحلته على وادٍ بهيج الخضرة والماء، فطاب له المكوث في ذلك المكان للصيد، وأمر أحد حاشيته – واسمه خباب – بأن يأمر الغلمان لنصب الخيام فبادره بالقول: «سمعاً وطاعةً يا مولاي.. إنما نحن رهن إشارتكم». وما هي إلا سويعات حين انتصف النهار حتى هبت ريح عاصفة واضطرب الطقس وتساقط المطر، وكان الأمير مستمتعاً ضاحكاً فهمس إلى أحد خلص أصدقائه بالقول: «أترغب في أن تدرك معنى القلوب الفاسدة؟»، فتبسّم صاحبه وقال: «بلى يا سيدي»، فهتف الأمير مناديا ذلك الرجل وقال له: «يا خباب.. مر غلمانك بأن يكفوا عنا العاصفة ويوقفوا المطر»! فردّ ذلك الخباب بالقول: «سمعاً وطاعةً يا مولاي.. إنما نحن رهن إشارتكم»!

هذه القصة ليس لها مصدر مرجعي في كتب التاريخ والتراث، وإنما هي متناثرة هنا وهناك في بعض المنتديات الإلكترونية، ولعل من ألفها أراد أن يقول شيئاً في زمن يصعب عليه قوله، فنمت تلك القصة من خياله، لكنها هي إذن، سمعاً وطاعةً يا مولاي.. ولربما تكررت هذه العبارة في «ملاحم التعبير» عن الانصياع التام عبر التاريخ، والتسليم المطلق عبر التاريخ والجغرافيا! ولعلها تراكمت عبارةً تلو الأخرى في مسلسلات التاريخ وأفلامه السينمائية ومسرحه ورواياته، وبلا شك، هي ذاتها التي تأتي وتروح في كلمات بعض الشعراء الغنائيين وعلى ألسنة المطربين والمطربات في التعبير عن «الانسداح» تحت أمر المحبوب.

على أن أسوأ أنواع وأنماط و»أرناق» هذه العبارة، هي تلك التي تتداخل فيها مشاعر النفاق مع طبائع الدجل والتملق للرؤساء والأمراء والسلاطين، لا سيما في البيئات التي وجدت في تلك العبارة حصناً منيعاً يقيها نوازل الدهر، حتى وإن كان أصحابها ممن يتولون المناصب الكبرى أو الصغرى، ولا يقومون بأدنى أمانة لواجبهم ومسئولياتهم الوطنية.

سمعاً وطاعةً يا سيدي، لا بأس بها حين تأتي عقب أمر يوجب السمع والطاعة، لكونه يعود بالخير على البلاد والعباد، وهي أيضاً من الروائع حين يأتي أمر الحاكم العادل لنصرة ضعيف، أو لحكم قاضٍ يخاف الله فيحكم بالعدل والإنصاف ليقف إلى جانب المظلوم ضد الظالم، ويصدر حكمه ويأمر من عليه التنفيذ بالتنفيذ، فسمعا وطاعةً. أما أن تبتلي مجتمعاتنا العربية والإسلامية بهذه المقولة وتتعدّد لهجاتها بين «سمعاً وطاعة»، و»تمام يا فندم»، و»تم طال عمرك»، و»لبيك يا مولاي»… في أمور لا تستقيم معها العدالة الاجتماعية ورعاية الرعية والإصلاح والصلاح في المجتمع، فإن قائلها يخدع أول ما يخدع سيده، ويخون أول ما يخون مولاه، ويكذب أول ما يكذب على ولي أمره ونعمته. فليست الخلاصة في عبارةٍ يطلقها اللسان، ولا تخبيء وراءها إلا التنكيل بالناس وإهمال شئونهم وإغلاق المكاتب في وجوههم، والتهرب عن القيام بالمسئولية التي تلزمهم بها مناصبهم، ما يجعل من أمرهم مدعاةً للقبح والتقبيح.

بطانة الفساد والنفاق في مجتمعاتنا العربية والإسلامية اتخذت من ذلك السلوك مصدراً للثراء، فهي تدرك أن الكثير من علية القوم لا يحبون النصيحة ولا الحقيقة ولا من لفّ لفها، وإنما يطربون للمنافقين والمتمصلحين والمطبّلين لأنهم ينزعون بعيداً عن الإتيان بما يكدر صفو هذا المسئول، وكلّما قويت البطانة الفاسدة، كلما تدهورت الدول وتعرّضت أنسجة المجتمعات للتآكل والتناحر والعداوة. وعبر التاريخ، مثلت البطانات الفاسدة موضع إضعاف الدول وأسقطت بعضها، ومما اشتهر عن وصف تلك البطانة بأنها: «داء عضال ما دخلت مهمة إلا أفسدتها، وما امتزجت في قلب دولة إلا زعزعتها، وهي تدني للحاكم خبال الأمور وتحجب عنه صوت الشعوب». المنافقون حولكم.. انظروا حولكم.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *