د.علي يوسف السند

إرهاب دول.. وإرهاب جماعات

أثار انتباهي في وسائل التواصل الاجتماعي وجود تحفظات كثيرة على المبالغة في استنكار أحداث العنف والتفجيرات، التي حصلت في باريس الأسبوع الماضي، مع تأكيد الجميع أن هذه الأعمال مرفوضة تماما، فاستهداف الآمنين والمدنيين فعل غير جائز دينيا وأخلاقيا.
باعتقادي أن سبب التحفظ هو شعور العرب والمسلمين أن الدول الكبرى ــ التي بدأت تذوق ويلات أعمال العنف ــ لا تضع أي اعتبار لدماء العرب والمسلمين، وأن مصالحها الاستراتيجية، ورغبتها في الهيمنة وبسط نفوذها، يجعلان موضوع دماء الأبرياء في المنطقة العربية من آخر اهتماماتها، وأنها لا تتورع عن اختلاق أي مبرر (الإرهاب.. نشر الديموقراطية.. نزع أسلحة الدمار الشامل..الخ) من أجل التدخل في المنطقة وانتهاك سيادتها، مع كل ما يصاحب ذلك من سفك للدماء، وإحداث للفوضى والدمار.
إضافة إلى ما سبق.. هناك اتجاه واضح لرسم صورة ذهنية معينة للإرهاب والتطرف عن طريق الضخ الإعلامي الرهيب، الذي تمتلك تلك الدول مفاتيحه، من خلال تلك الصورة يراد حصر الإرهاب والتطرف في بعض القوى، التي ترفع شعارات إسلامية في المنطقة، وتقوم بممارسة أعمال العنف، وتستهدف الآمنين، بينما تستثنى من الوصف بالإرهاب والتطرف الحكومات والدول التي تمارس أيضا العنف تجاه الآمنين، ولكن تحت شعارات أخرى غير إسلامية، فتكون النتيجة النهائية واحدة، وهي استهداف الآمنين، وقتل المدنيين، ولكن الفرق بين تلك الحكومات والدول، وبين الجماعات الإسلامية التي تستعمل العنف، هو الشعارات والمبررات التي يقدمها كل طرف، كما أن التطرف الذي تمارسه الجماعات يتسم بالعشوائية ومحدودية الإمكانات، بينما التطرف الذي تمارسه تلك الدول يتسم بالتنظيم والإتقان، بالإضافة إلى الإمكانات المتقدمة!
من الواضح أن هناك تركيزا إعلاميا كبيرا على هوية الفاعل وانتمائه، أكثر من التركيز على الفعل نفسه لتحديد الوصف المناسب للحادث إن كان تطرفا أم لا، فقتل الآمنين من خلال طائرة متطورة تابعة لدولة عظمى، تقذف قنابل متطورة، لا يمكن وصفه بالتطرف أو الإرهاب، بينما التفجير بحزام ناسف يتم وصفه بالعمل الإرهابي من أول لحظة، هذه المحاولات المتعمدة لتحويل مصطلح الإرهاب إلى تهمة معلبة تطلق على الفاعل حسب هويته، هو الذي جعل هناك نوعا من التحفظ في استنكار أعمال العنف التي تمارَس ضد المدنيين في تلك الدول، التي تحاول أن تصبغ الإرهاب بصبغة محددة ومنحازة.
يقابل ذلك التحفظ في الاستنكار، هناك اندفاع شديد من بعض العرب في إظهار الحزن ــ وربما تصنعه ــ والتجمل بذلك للظهور بمظهر إنساني أمام الغرب، وهذا النوع من الاستنكار نابع من عقدة نقص أمام التفوق الغربي، ولسان حال صاحبه يقول: سامحوني لأني عربي ومسلم!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د.علي يوسف السند

دكتوراه فلسفة إسلامية – بكالوريوس شريعة – عضو هيئة تدريس/الدراسات الإسلامية – إعلامي وكاتب صحفي
twitter: @al_snd

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *