حسن العيسى

ليس بالحروب ينتهي داعش

الصحافة الغربية تعكس بوجه عام توجه القيادات الغربية نحو حرب كاملة ضد داعش بعد تفجيرات باريس -وعسى ألا يسارع البعض إلى تسميتها بغزوة باريس بطريقة غزوة منهاتن- وهناك دعوات قوية من قوى اليمين، مثل الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة، لتدخل عسكري بري مباشر في سورية، وقبلها خلق منطقة عدم طيران وأمان في شمال سورية، كي تستوعب اللاجئين، وبالتالي يخف صداع الدول الأوروبية مع كارثة هؤلاء الهاربين من جحيم الأسد، بالدرجة الأولى، وجزاري داعش بالدرجة الثانية.
قليل جداً من تلك الأصوات، التي تدق طبول الحرب الكونية الشاملة ضد داعش، تنبه أن مثل تلك الحرب لن تكون العلاج المجدي آخر الأمر، فالقضية تم اختزالها عند الأغلبية، تقريباً، بتلك الجماعة الإرهابية التي تقبع في الأراضي السورية والعراقية، وأقامت دولة الخلافة الإسلامية في مساحات كبيرة في تلك الدولتين الفاشلتين، بهذا التبسيط المريح عند دعاته يصبح خنق داعش في حاضنته العربية، هو نهاية الإرهاب العربي الإسلامي عند دول الغرب، ولا يبدو أن استمرار الحالة الإرهابية، بصورة أو أخرى، في الدول العربية يشغل بال الرأي العام الغربي، فتفجيرات باريس أنست تماماً تفجيرات الضاحية الجنوبية بلبنان، ومسحت، على الأقرب من الذاكرة الغربية، مئات التفجيرات وعمليات القتل الجماعي، في سورية والعراق، سواء كان أبطالها من الدواعش أو من الميليشيات الشيعية الانتقامية من بطش داعش مثل “حشد” في العراق، أو نظام الأسد في سورية.
ليس جديداً الإقرار بأن منظمة داعش، وقبلها القاعدة، وغيرهما هما مجرد أعراض لواقعنا العربي الإسلامي، وأن المرض الحقيقي السرطاني هو الثقافة المهيمنة في الفكر الجماهيري العربي، والتي لا يغذيها مجرد التفسير المنغلق المتعصب للإرث الديني مع غياب أبسط مفاهيم العلمانية الإنسانية عند السواد الأعظم من الجمهور العربي، بل يستوطن هذا المرض ويتغذى من جل الأنظمة العربية الحاكمة، المستبدة والفاسدة، والتي كسرت بمناهجها التعليمية وقوانينها الدراكونية المفترسة لحريات الرأي والضمير المحرمة للنقد السياسي والمصادرة لحرية العقيدة بالوقت ذاته، والتي وجدت في الشرعيات الدينية، بفقه الدولة المهادن، أداة لتغطية غياب الشرعيات الدستورية الديمقراطية، والتي لا يمكن إلا أن تكون ليبرالية علمانية، مع ملاحظة جانبية للمتعذرين بالحالة التركية نذكرهم بأن هذه الدولة لم تتخل، ولو للحظة واحدة عن دستورها العلماني، وأن الإسلام هناك، ويظل حكم حزب العدالة، هو قيمة أخلاقية سامية لم يتم حشره لا في السياسة ولا في التشريع.
أيضاً من الخطأ، قصر أسباب الحالة الداعشية القاعدية، بالثقافة العربية وإرثها، ونسيان التاريخ الاستعماري الغربي لدولنا والظلم الكبير الذي تجرعته شعوب المنطقة، ومأساة الشعب الفلسطيني والبلطجة الإسرائيلية المستمرة مع مباركة الراعي الأميركي لها، وما خلف ذلك من ندوب عميقة في الذات العربية عن غياب قيم العدالة والحق وازدواجية المعايير عند الأنظمة الأوروبية وأميركا، فتلك كلها تمثل، أيضاً، أنابيب تغذية للإحباط واليأس العربيين، كي يتحولا مع عاملي الفقر والجهل المعمعمين إلى أحلام وخيالات بنات حور العين اللواتي ينتظرن الشهداء الانتحاريين في الجنة بأحر من الجمر.
قضية داعش والقاعدة، في دولنا، أو تمددها عند الجيل الثاني من المهاجرين المسلمين للدول الغربية، لا يمكن بأي حال وضع حد لها بالطائرات والجيوش الجرارة، فهما (داعش والقاعدة) مجرد أعراض عابرة، ويبقى الإرث التاريخي والممارسة التسلطية للأنظمة العربية الحاكمة ومن يساندها عند دول الغرب، هي الورم السرطاني الكبير الذي لن تنفع معه مشارط الجيوش الغربية.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *