حسن العيسى

متعالون على ماذا؟

يسأل الزميل خليل حيدر معلقاً على جريمة دهس الوافد المصري “لماذا يلجأ الكويتي إلى العنف والكي لعلاج أي خلاف مع الآخر؟” (الجريدة الأحد 8 نوفمبر 2015)! ثم يستعرض عدداً من جرائم العنف التي حدثت في السنوات الأخيرة، وكان الضحايا من الوافدين بفعل إجرامي من مواطنين، ويشير الزميل إلى تقرير صحافي يؤكد أن من يلجأون إلى العنف فقدوا الثقة بهيبة القانون! أيضاً تكتب الزميلة ابتهال الخطيب بألم عن تلك الجريمة (الجريدة عدد أمس) وغيرها، بأن هناك عزلة تعيشها الشخصية الكويتية جاءت نتاج منهجية مستمرة منذ سنوات باعتماد الفصل والعزل بين الكويتيين وغيرهم”! السؤال الآن لماذا تم عزل الكويتيين عن غيرهم في مقال ابتهال؟ ولماذا فقدوا هؤلاء أصحاب الجرائم العنفية الثقة بالقانون كما ذكر خليل؟
لنفكر ونتساءل مع ابتهال، لماذا تم عزل معظم الكويتيين في سكنهم وفي حياتهم الاجتماعية عن بقية الوافدين، الذين لا غنى للكويتيين عنهم في كل صغيرة وكبيرة، من تربية وملاحظة الأطفال في البيت منذ لحظة ولادتهم حتى تكفين الموتى وإهالة التراب على قبورهم؟ وما طبيعة العلاقة بين المواطن والمقيم بصفة عامة؟ وما دور السلطة الحاكمة فيها؟!
هناك نهج وقيم متعالية تم تكريسها بوعي متخلف بأن ابن البلد “أحسن من غيره” لماذا؟ لأنه ببساطة “ابن البلد”، أخلاق وقيم التعالي تتجسد حين يرى العديد من الشباب أنهم متميزون عن غيرهم “الآخرين” الوافدين، فهؤلاء الشباب الذين ارتكبوا الجرائم الخطيرة ضد الوافدين، أو الذين يقودون سياراتهم بجنون ولا مبالاة وكأنهم ورثوا الأرض ومن عليها، يشعرون بحالة التميز والتعالي على الوافد، وينظرون عليه من أعلى لأسفل، ينظرون إليه فقط بعدسة الشخص الذي جاء يسترزق من خير البلد ولا غير! السلطة بدورها بصورة رسمية أو غير رسمية كرست هذا النهج المتعالي لدى الشخصية الكويتية، سواء في مناطق السكن، وبثقافة “سكن العزاب”، أو بالمعاملة الخاصة للكويتي في كثير من الأحيان لدى مختلف وزارات الدولة، بالتالي خلقت وعياً مزيفاً بأن المواطن فوق القانون، ومثلما هناك شرائح متنفذة مستفيدة أيضاً فوق القانون في ما بين الكويتيين أنفسهم، فأصحاب الواسطات والمعارف وضعهم “غير”، أيضاً هناك المواطنون، أصبحوا مرآة للتمايز مع الوافدين، المواطن هو رب العمل في المنزل، السيد على الخادم، التابع المكفول، وهو المدير الكبير في الإدارة، غير القابل للعزل مهما بلغت تجاوزاته وعدم انضباطه في الوظيفة، والخطأ بالعمل دائماً يسجل بصحيفة سوابق “فراش البلدية” الوافد!
يقولون من أمن العقوبة أساء الأدب، ومن يطعنون ويقتلون، أو ينحرفون بجنون بسياراتهم الكبيرة على سيارات الوافدين الضئيلة بالشارع، قد أمنوا العقوبة، فأساؤوا الأدب. هنا لا جدوى من الحديث عن حالة طعن أو دهس أو قتل فردية، فنحن أمام “ظاهرة” بمعنى الشمول والعمومية، هي ظاهرة مرضية ونتيجة حتمية للحالة الريعية لاقتصاد الدولة ونهجها السياسي، فشكل الإنتاج يفرض طبيعة العلاقات الاجتماعية بين أفراد المجتمع، ومثلما تم توظيف التراتبية بين المواطنين أنفسهم، مواطن “ديلوكس” هو فوق النخل لا يساءل وله امتيازات بحكم الواقع الفاسد، ومواطن عادي منسي في ركام اللامبالاة السلطوية… هناك تراتبية مقابلة بين صاحب الجنسية الكويتية وغير الكويتي الوافد.
ومثلما لدينا الكثير من المواطنين الشباب المنحرفين بسلوكهم نتيجة الفساد التربوي في المنزل، ونتيجة هيمنة مؤسسات الدولة المخترقة بعلل الواسطة والمحسوبية والفساد الإداري، هناك من المواطنين الشباب المخلصين الواعين لقضايا وطنهم وهمومه، لا تجدونهم يجوبون الشوارع بلا هدف، وإنما يعيشون تحت تهديد متواصل بالسجن حين يعبرون بكلمة نقد شاردة في تويتر أو مقالة بصحيفة عن الوضع العام للدولة.
مهمة هؤلاء الشباب الأخيرين “المقرودين” بفكرهم ومواقفهم هي نشر وتعميق الوعي الإنساني الجاد في مجتمعنا الكويتي، المريض بفيروس نظام الكفالة وعدم فعالية حكم القانون، وبكل علل دولة الريع، وسينتهي قريباً مصدر الريع النفطي بتهاوي أسعار النفط، لكن يبقى “الريع” قائماً في الوجدان السقيم، فلتكن هذه قضيتهم الأولى قبر الحالة الإسبرطية في النفوس المريضة.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *