عيد ناصر الشهري

الريال السعودي تحت الضغط

تعتبر دولة كازاخستان من الدول الكبيرة في آسيا، وهي اكبر من ايران. حدودها من بحر قزوين في الغرب الى الصين في الشرق. ويبلغ سكانها 18 مليون نسمة، وأغلبيتها من المسلمين. وقد حصلت الدولة على استقلالها سنة 1991 بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. وفي الجانب الاقتصادي، تعتمد الدولة على تصدير النفط بنسبة 50% من صادراتها. وتنتج 1.8 مليون برميل يوميا وتصدر 1.6 مليون للدول الاخرى، وتستهلك الباقي. ولديها مخزون نفطي مؤكد بحجم 30 مليار برميل. وتصدر الدولة أيضاً المعادن مثل اليورانيوم والفحم والحديد والذهب. ويبلغ الناتج القومي للدولة 200 مليار دولار، ولديهم صندوق سيادي بحجم 77 مليار دولار. ونفذت الدولة مشروعا ضخما في سنة 1997، وهو نقل عاصمتها من الماتي الى الاستانة. وتعتبر الدولة على طريق الحرير الذي يصل الصين مع أوروبا.

انخفاض أسعار السلع
وتعاني الدولة حالياً من انخفاض قيمة صادراتها من النفط والمعادن. لذلك في يوم الأربعاء الماضي، صرح رئيس الدولة نور سلطان نزارباييف انه على حكومته التأقلم لخمس سنوات على سعر النفط بين 30 و40 دولارا للبرميل، وانخفاض الطلب على المعادن من روسيا والصين، وتدني الاستثمارات المباشرة في دولته. لذلك قام محافظ البنك المركزي بتعويم العملة في اليوم التالي، مما سبب انخفاضها المفاجئ بنسبة %23 يوم الخميس الماضي.

الانعكاسات على الدول
المصدرة للمعادن
تعتبر خطوة تعويم العملة المفاجئة حركة منطقية ومناسبة لوضع كازاخستان. حيث انه من غير المعقول ان تقوم الدولة بالحفاظ على عملتها ثابتة بوجه ضغوطات وتحويلات مالية كبيرة، مما قد يكلف الدولة كل احتياطاتها النقدية. ولتعويم العملة فوائد مهمة تتمثل في تقييم اعلى لاحتياطاتها النقدية عند تحويلها للعملة المحلية. مثلاً، اذا كانت احتياطات الدولة النقدي تكفي 4 سنوات، فإن انخفاض قيمة العملة الى الربع يجعل نفس المبلغ يكفي 6 سنوات عند التحويل للعملة المحلية. لذلك فإن خضوع سعر العملة لقوى السوق يجعل اقتصاد الدولة اكثر مرونة وتحملاً على المدى الطويل. والاهم هو اكتساب مصداقية المستثمرين العالميين، بحيث يقومون بتقييم المخاطر بشكل منطقي حسب قوى السوق والوضع الاقتصادي. والفائدة الاخيرة هي زيادة تنافسية المنتجات المصدرة خارج البلاد.

انخفاض العملات العالمية
وقامت الدول المنتجة مثل اليابان وألمانيا وأميركا بضخ سيولة نقدية كبيرة في اسواقها لتجنب آثار أزمة الائتمان السابقة. لذلك أصبحت اسعار الفائدة قريبة من الصفر في تلك الدول. مما جعل عملاتها تنخفض بن.سَب متفاوتة، لكن العملات الخليجية ظلت ثابتة في الفترة نفسها. وقامت الصين مؤخراً بتخفيض عملتها بشكل مفاجئ، لانها أصبحت بالضرورة مرتفعة بشكل غير واقعي بسبب انخفاض باقي العملات. لذلك قام الاقتصاديون بإطلاق مصطلح حرب العملات على الفترة الحالية. ولم تبق اي عملة على وضعها الا العملات الخليجية، وكأنها لا تخضع لقوانين الجاذبية والتأثيرات الاقتصادية نفسها!

عقود الأسعار المستقبلية
للعملات الخليجية
وبدأت مؤخراً مؤشرات تدل على ان الرياح بدأت بالتحرك ضد العملات المحلية. ونخص بالذكر العملة السعودية، حيث انخفض سعر الريال السعودي في العقود المستقبلية الى أدنى مستوى له منذ 2003. ويدل هذا المؤشر الوحيد على وجهة نظر المستثمرين الأجانب في القيمة الحقيقية للريال. وحتى لو تستطيع السعودية الدفاع عن عملتها باستخدام احتياطاتها النقدية المقدرة بأكثر من 650 مليار دولار، يبقى السؤال المهم هو الى متى؟ من المهم تقدير ان الاحتياطات النقدية محدودة، الا ان تعافي سعر النفط غير محدد المدة. وبحسب جريدة التايمز البريطانية، قام البنك المركزي السعودي بصرف 74 مليار دولار من الاحتياطات النقدية منذ سبتمبر 2014 الى يونيو 2015. وهذا ما اجبر الحكومة السعودية على إصدار سندات حكومية بقيمة 9 مليارات دولار خلال الشهرين الماضيين. وبحسب المصدر نفسه، ستقوم السعودية بإصدار 18 مليار دولار خلال الربع الأخير من السنة. واذا افترضنا استمرار الوضع المالي للميزانية السعودية وبقاء اسعار النفط على المستوى الحالي نفسه، سيكون العجز بمعدل قد يصل الى 10 مليارات دولار شهريا. وسيتم تمويل نصف العجز من السندات والنصف الآخر من الاحتياطي النقدي. وتستطيع السعودية اقتراض 100 مليار دولار بحد أقصى. وبعد ذلك ستلجأ لتمويل كامل العجز من الاحتياطي النقدي. لذلك نستطيع الاستنتاج بان الاحتياطي المالي لن ينفذ قبل 6 سنوات. لكن هل هذا هو الحل الوحيد في الوضع الحالي؟
تعويم العملة لتقليل
نزيف الاحتياطي النقدي
والسؤال المهم هو كيف نستطيع الحفاظ على المدخرات وتمويل العجز بدون استنفاد المخزون النقدي؟ الحل بكل بساطة هو اتخاذ الخطوة نفسها التي قامت بها كازاخستان والصين وباقي دول العالم، وهو تخفيض سعر العملة ليعكس القيمة الحقيقية التي بدأت تتضح بالنسبة للريال على سبيل المثال في العقود المستقبلية. وانخفض الريال السعودي في العقود المستقبلية بعد 10 سنوات بقيمة 1% اقل من السعر الحالي عند 3.95 ريالات للدولار الواحد، بينما سعر الصرف الحالي هو 3.75 ريال. وتعتبر هذه النسبة القليلة مهمة جداً لانها مؤشر على رأي المستثمرين العالميين في العملة السعودية، وتعتبر بمنزلة ضغط لتخفيض قيمتها. والمستفيدون من ثبات الريال السعودي بسعر اعلى من قيمته هو المستثمر الذي يراهن على انهيار العملة في المستقبل عن طريق شراء العقود المستقبلية. وتأخير القرار سوف يفيد المستثمرين الأجانب وصناديق التحوط العالمية على حساب البنك المركزي السعودي. لذلك يجب وقف الضغوط المالية وقطع الطريق على المستثمرين الذين يعيشون على اخطاء البنوك المركزية، ويستنفدون الاحتياطي النقدي لتلك الدول. وتأخير اتخاذ قرار تعويم العملة يكلف الاقتصاد السعودي 300 مليون دولار في كل يوم. ويعادل هذا المبلغ خسارة يوميه بقيمة اكثر من مليار ريال سعودي. وكل تخفيض للعملة السعودية بنسبة 10% يساعد في توفير 30 مليون دولار يومياً ويزيد العمر الافتراضي للاحتياطي النقدي بمدة سنة اضافية. والاهم هو ان تخفيض الريال يساعد في تعزيز تنافسية السلع السعودية المصدرة للخارج وجذب استثمارات جديدة، مما يعود بالنفع على الاقتصاد المحلي.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

عيد ناصر الشهري

شركة الأجيال القادمة للاستشارات
e7sibha@
* تقدم الشركة خدمات إعادة هيكلة للشركات المتعثرة.

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *