سعيد محمد سعيد

هنا «البحرين»… هنا «دبي»!

في الحديث عن التدخلات في شئون بلادنا البحرين، إيرانية كانت أم صفوية أم مجوسية أم إخوانية أم تكفيرية أم داعشية أم أياً كان مصدرها ونواياها وأفعالها، وفي الحديث عن أعمال العنف والخراب وسفك الدماء، أياً كانت الأيدي الآثمة ومحركوها وأقطابها، يبرز الصوت البحريني، من المعارضة والموالاة، من السنة والشيعة، بل قل من كل مواطن أمين على وطنه، مجمعاً على الرفض التام النابع من تقديس مكانة الوطن واستقلاله وسيادته وأمنه وسلمه الاجتماعي.

مواقف المعارضة وعلماء الدين والشخصيات الوطنية من كل التيارات والأطياف ليست ترفاً. هي مواقف حقيقية تعكس الانتماء الوطني الحقيقي، ولا يحق لطرف أن يدّعي أنه صاحب الموقف الوطني الحقيقي فيشجب ويستنكر ويشحن ويشحذ ويرفع عقيرته بكل ما أوتي من فنون النفاق والتملق والمتاجرة بحب الوطن، ليجعل مخالفيه في موقع الاتهام، في وطنيتهم وانتمائهم وحقيقة مواقفهم، حتى أصبح الإعلام ساحة للتنافس في تكرار البيانات والمقامات والاستنكارات التي يمكنك أن تقلبها من كل جانب، فلا تراها تعدو كونها مجرد لقلقة لسان! فلا نتيجة منجزة لها تشكل «صيغة وطنية» جامعة أو مسار عمل منجز.

على العكس من ذلك كما هو ملاحظ، فمع الإجماع على الموقف الوطني الرافض للتدخلات والاستفزازات والأعمال المهددة للسلم الاجتماعي، تجد البعض محترفاً في استغلال الظرف/ الأزمة، في بث خطاب الكراهية والفتنة والطائفية واستهداف طائفة كبيرة. وهذا الفعل المشين تجد لها رؤوساً كبيرة على منهج «أنت مسبية على أي حال»، لكن، أليس من اللازم أن يكون للدولة يد حازمة توقف أولئك المتاجرين بالطائفية؟ هل الحفاظ على السلم الاجتماعي يوجب تجييش طرف على آخر؟ هل من المعقول أن تحظى أصوات النشاز والدمار بالحماية، فتتوقف حيناً من الزمن لذر الرماد في العيون ثم تعود من جديد لتبث خطاباتها الشيطانية؟

هل يحق لنا –كمواطنين– أن نتساءل عن دور لجنة مناهضة الكراهية والطائفية التي يترأسها نائب رئيس مجلس الوزراء جواد سالم العريض، وهي لجنة تشارك في عضويتها وزارات الداخلية والتربية والتعليم والتنمية الاجتماعية والعدل والشئون الإسلامية والأوقاف، والمنتظر منها في هذه الظروف؟

ولماذا نصفق ونهلل ونستبشر بخطوات في دول الجوار حيال مكافحة الطائفية والكراهية ولا تملأ عيوننا تجاربنا أو خطواتنا؟ هل لأنها مشلولة معوقة؟ ولنذهب إلى مقارنة سريعة، بين مملكة البحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة، ففي البحرين، صدر القرار رقم (17) لسنة 2014 بتشكيل لجنة مناهضة الكراهية والطائفية والتي «تختص باقتراح وتبني السياسات والمنهجيات وإعداد البرامج الفعالة التي تتصدى لمشكلة خطابات الكراهية التي تبث عبر المنابر والكتب أو من خلال وسائل الإعلام والاتصال والتعليم، أو من خلال القوى السياسية والمجتمعية، والعمل على تكريس روح التسامح والتصالح والتعايش، وتعزيز عوامل الوحدة في المجتمع البحريني»، وحتى هذه اللحظة بكل علاماتها المخيفة والمقلقة على أوضاع البلد، لا نزال نتأمل منها خطة وطنية حقيقية على أرض الواقع.

أما في دولة الإمارات العربية المتحدة، فقد أصدر رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان مرسوماً بقانون رقم /2/ لسنة 2015 بشأن مكافحة التمييز والكراهية، والذي يقضي بتجريم الأفعال المرتبطة بازدراء الأديان ومقدساتها ومكافحة كافة أشكال التمييز ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف وسائل وطرق التعبير.

حال صدور القانون، كتب نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، تغريدات استقطبت آلاف المتفاعلين، بتأكيده على أن وحدة المجتمع وتماسكه والمساواة بين جميع أفراده من دون تمييز هي ضمان لاستقراره وسعادته، والفتن والجدل وإثارة الكراهية هي تفكيك له من داخله، فالقانون يحظر ويجرّم كافة أشكال التمييز على أساس الدين أو العقيدة أو الطائفة أو المذهب أو الأصل أو العرق أو اللون، ويضع عقوبات مشدّدة على ذلك، ويجرّم كل قول أو فعل يدعو لإثارة الفتن والنعرات أو استغلال الدين في تكفير الأفراد والجماعات .

على مستوى الأمة العربية والإسلامية، خصوصاً على مستوى دول الخليج العربي، يتفق الجميع على ضرب الإرهاب والعنف والقتل وتدمير الأوطان ورفض التدخلات أياً كان مصدرها بيد من حديد، وفق القوانين والأنظمة والمحاكمات العادلة. ويد الحديد هذه يجب أن تضرب – بالحد ذاته– مجرمي الطائفية والتكفير ومثيري الفتنة والنعرات والمتاجرين بالتشكيك في انتماء المواطن وازدرائه بنعيقهم المريض.

طرحت في هذه المساحة سابقاً الحل ببساطة، فهو يكمن في ألا تسمح الحكومة بأية محاولة لزيادة أعداد المنضمين إلى التصنيفين: المواطن واللامواطن، فالدستور يقول إن المواطنين سواسية، وما عدا ذلك من ممارسات تخالف العرف الاجتماعي وتتعدى القوانين، فإن للدولة الحق في تقديم كلّ من تجاوز حدوده للمساءلة القانونية. ولوزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف الممثلة في «لجنة مناهضة الكراهية والطائفية»، الحق في محاسبة الخطباء والأئمة إن ثبت عليهم الخطأ، وللسلطة التشريعية الحق في ملاحقة من يثبت عليهم الفساد والإضرار بالبلد. أما أن تُترك قضايانا للخطاب الديني اللامسئول أو للتصريحات الصحافية ذات الأبعاد البطولية الفارغة، فالخطر المفتت للمجتمع لن تُحمد عواقبه.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *