سعيد محمد سعيد

أبطال الفضائيات… عباقرة العصر

 

هل يمكن لكل واحد منا أن يستذكر شيئاً من كلام سمعه وهو يشاهد أحد عباقرة العصر من أبطال الفضائيات متحدثاً ومحللاً ومكتشفاً ومهدّداً ومحذّراً من الأوضاع في الأمة؟ ولماذا يستبدل أولئك العباقرة كلامهم وفق الأحداث الجارية، فإن كانت حكوماتهم أو فضائياتهم التي تستضيفهم دائماً ضد وضع ما، فهم ضده، وإن كانوا معه فهم أيضاً معه.

لقد أصبحت بعض الأسماء لإعلاميين وكتاب وصحافيين ومشايخ وسياسيين وناشطين وكل من هب ودب أحياناً جزءًا من المشهد السيء في العالم العربي والإسلامي بسبب احترافهم دور «الحرباء» في تضليل الشعوب وتخدير العقول وتزييف الوقائع والأحداث. ومع شديد الأسف، ورغم اكتشاف العديد منهم كـ «هواتف عملة» في الوطن العربي والإسلامي من أقصاه إلى أقصاه، إلا أن شريحة كبيرة من الجماهير تصدقهم وتنقل تصريحاتهم وتغريداتهم ومقالاتهم ومقاطع مقابلاتهم وأكاذيبهم! بل زد على ذلك، أن هناك من أصبح مهتماً بتصيد تناقضاتهم – ومن ألسنتهم – ليبثها على قناة اليوتيوب وينشر روابطها، ثم من شديد الأسف أيضاً، أن يضحك المشاهد/ الضحية على هؤلاء وعلى نفسه لأنه صدقهم.

هل تعلمون بأن بعض أولئك العباقرة لا يظهرون على شاشة هذه الفضائية أو تلك إلا بعد أن يتسلموا «المقسوم»؟ وكلما كان ذلك المقسوم ثقيلاً يملأ الكروش، كلما كانت ألسنتهم طلقة في قول ما يريده من يدفع حتى أن بعض المقاطع المسربة من بعض الفضائيات المضللة ظهر فيه أحدهم (وقت الفاصل) وهو يقول: «لا. أعجبك. أبيّض وجه القناة»! سوّد الله وجهاً هكذا.

مع شديد الأسف، جسد الحجم الأكبر من جسم الإعلام – سaواء العربي أم الإسلامي أم الخليجي المدفوع طبعاً – سياسة «فرّق تسد» بمنهج وقح للغاية، فتم الاعتماد على فضائيات وصحف وإعلاميين ومثقفين ومشايخ ووسائل إعلام جديد هائلة وبنسبٍ كبيرةٍ مذهلة لإسقاط منهج الاعتدال من جهة، وليتسيد منهج التطرف من جهة أخرى في مجتمعاتنا.

وبالطبع، لن يتغير منهج تلك الأبواق وفقاً لمن يدفع أكثر، أما المسئولية الدينية والوطنية والإنسانية فلا مكان لها في جيوبهم، ولهذا، لا سبيل إلا بتنمية الوعي – على مستوى الفرد والجماعة – لمواجهة مد الإعلام المضلل والمؤجج المدمر للمجتمعات، خصوصاً على صعيد الخطاب الطائفي الذي امتهنه المئات من أبطال الفضائيات، بل وأصبحوا يتنافسون في من يقدّم الأسلوب الأرذل لإشعال نيران الصدام والفتنة والتناحر المذهبي والعرقي والسياسي.

ويعتبر دور العديد من وسائل الإعلام العربي والإسلامي على صعيد تنمية «الانحراف الاجتماعي» كبيراً وخطيراً، وهذا ما ذهب إليه الباحث العراقي ياس خضير البياني الأستاذ بكلية المعلومات والإعلام والعلاقات العامة بجامعة عجمان في دراسة قيمة بعنوان: «الغزو الإعلامي والانحراف الاجتماعي في دراسة تحليلية لبرامج الفضائيات العربية». ففي مبحث المشكلات الاجتماعية التي تنشأ بسبب برامج سيئة تبثها الفضائيات حذر من أن العديد من برامج الفضائيات العربية تسبب الاضطراب الاجتماعي، وعدم الاستقرار في العلاقات العامة الاجتماعية، وتنمية الفردية والروح الاستهلاكية، والهروب من التصدي لواقع الحياة، والاستسلام له، وتوطين العجز في النفوس، وإضعاف الروابط الأسرية وقيمها، وتعميق المشاعر الأنانية أكثر من الالتزام الجماعي، والانبهار بالموديل الأجنبي، على حساب الهوية الثقافية العربية، وكذلك تراجع الانتماء العربي، وازدياد اليأس والإحباط». (انتهى الاقتباس).

المشكلة الكبرى تكمن في أن المساحة الواسعة للإعلام الفضائي والإلكتروني – بسلبياته وإيجابياته – يقابلها غيابٌ في صياغة سياسات إعلامية وطنية، في كل بلد على حدة، تتصدّى للتوجهات المذهبية والسياسية والفكرية المؤدية إلى تحطيم ثقافة المجتمع وقيمه من جهة، وتجتمع في مسار تقديم إعلام يتميز بالتنوير من جهة أخرى، وتبدو الصعوبة في «المال» الذي يُستثمر في المدى السلبي لنشر ثقافة الصدام والطائفية لأسباب تجارية حيناً، وتفتيتية مقصودة أحياناً أخرى.

إن جانباً مهماً يتوجب على الحكومات العربية والإسلامية الانتباه له جيداً، ألا وهو أن المتغيرات والتحولات الخطيرة من حولنا، توجب صيانة السلم الاجتماعي والجبهة الداخلية للأوطان التي تتعرّض للتهديد بسبب غزو إعلامي مذهل جعل الكثير من المجتمعات تعيش عداءً مع مكوّناتها. وبصراحة فإن المسئولين عن الأجهزة الإعلامية يدركون كل ذلك، إلا أنهم – ومع أن ذلك في مقدروهم – لا يريدون صياغة خطاب إعلامي جامع كفيل بمواجهة كل تلك المخاطر… لكن إلى متى؟

فأبطال الفضائيات العباقرة لا يمكن الاعتماد عليهم لكونهم نماذج معادية لمجتمعاتها وفق مصالحها الشخصية، ولا سبيل إلى صد تلك المخاطر إلا من خلال إدراك أن كل مجتمعاتنا في «أزمة شديدة»، والسبب هو موجة الإعلام المنحط الذي يحظى بكل ذلك الدعم والمساندة والتمويل.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *