سعيد محمد سعيد

التحريض الطائفي الإلكتروني

 

لو تساءلنا: «كم موقع إلكتروني وحساب تواصل اجتماعي يثير الصدام الطائفي والاتهامات والتشهير أغلقته وزارة الإعلام خلال السنوات العشر الماضية»؟

ليت بالإمكان الحصول على جواب يحدّد العدد ويكشف أسماء تلك المواقع والحسابات، ومن يديرها، وكيف تم التعامل معها قانونياً… هل يمكن ذلك؟

دون شك، هناك تهاون واضح، ليس على مستوى البحرين فقط، بل على مستوى الخليج والعالم العربي والإسلامي في السماح لانتشار وتوغل كل أدوات التحريض الطائفي الإلكتروني في المجتمع العربي والإسلامي. وهذا التهاون في الأساس مثيرٌ للشك والتساؤل: «من المستفيد؟ ولماذا يتم استهداف طائفة دون أخرى؟ ولماذا يتم السماح ببوق طائفي على منبر أو مساحة إعلام إلكتروني ليبث سمومه ويتم التصدي للآخر وتطبيق القوانين عليه؟

ثم الأهم، هل يدرك القائمون على الإعلام العربي والإسلامي خطورة هذه الظاهرة التي لا يمكن أن تنمو وتترعرع إلا في رحاب مجتمعات ودول وقوانين تسمح لها بذلك؟

في تطبيق القانون بعدالة، لا خلاف بين اثنين، إذا ما تم التطبيق على المحرض الطائفي الكريه المريض من أي دين وطائفة كان، فمخاطر أفعاله لا تصيب فئة أو طائفة إنما تؤثر على السلم الاجتماعي برمته. ومع الانتشار الكبير المذهل لوسائل التواصل الاجتماعي، في البحرين على سبيل المثال، يمكن أن نقف على ظاهرة خطيرة مسكوت عنها، أو يتم التعامل معها بمزاجية طائفية، فهناك كم هائل من أساليب التحريض التي تعج بها بعض المنتديات وحسابات التواصل الاجتماعي. فبعض تلك الحسابات تتبنى منهجاً تحريضياً مدمراً أيضاً ولابد من إيقافها سواء كان القائمون عليها منتمين إلى هذه الطائفة أو تلك. ومع أن تلك المنتديات والحسابات لا تمثل في حقيقتها صورة المجتمع البحريني، إلا أنها على أي حال، جزء من المجتمع ويشارك فيها آلاف الناس وتطرح فيها الكثير من المواضيع وتنشر فيها معلومات وبيانات ومشاركات تهدف إلى إشعال الفتنة والتصادم وتأجيج أبناء المجتمع.

لقد أصبح الكثير من الناس، ومنهم متعلمون يحملون شهادات عليا وخبرات عملية في مجالات متقدمة، يحملون قابلية لتصديق كل (برودكاست) على «الواتس أب»، ويبصمون بعشر أصابعهم على روابط فيديوهات «اليوتيوب» والمواقع والحسابات المتنوعة، فإذا كان هذا حال المتعلمين، أليس الشعور بالقلق أكبر تجاه الشباب والناشئة والفئات محدودة التعليم والإدراك؟

يعلم أولئك أن الكثير من مقاطع الفيديو ومقتطفات الكتب والمحاضرات والمقالات ومختلف منتجات الإعلام قابلة اليوم للتحريف والفبركة، ولكن لأن هناك نزعةً ترسّخت لديهم بضرورة استخدام الإعلام الجديد فيما يغطي جوانب النقص في شخصياتهم، لاسيما ذوي الأصل والقابلية الطائفية، فإنهم يشعرون باستمتاع كبير لنشر الأكاذيب والافتراءات والاتهامات، بل والأخطر من ذلك، يشعرون وهم ينشرون تلك القاذورات أنهم ينصرون الدين.

ثمة أمر مريب يثير تساؤلاً حول مدى إدراك أولئك للنصوص القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة، مضافاً إليها القيم الذاتية في صد أو ردع النزعة المريضة لبث محرضات الفتنة وتدمير المجتمع. كيف يكون ذلك من أجل وباسم الدين والقيم والأخلاق والعروبة؟

على أي حال، لا يمكن اعتبار أسلوب التحريض والشتم والحملات الطائفية البغيضة في تلك المواقع المريضة على أنها صورة من صور التعبير عن الرأي، فما هي إلا حالة من حالات هوس البطولات الوهمية الخطيرة التي تسهم في تأجيج الأوضاع في البلد. وإذا كان كبار المسئولين يزعمون فتح المجال للناس لأن يطرحوا وجهات نظرهم وآراءهم بكل حرية، فإن تلك المستنقعات الإلكترونية القذرة، تفعل فعلاً مشيناً، وليتنا نتابع حملة حقيقية تقوم بها وزارة الإعلام لإغلاق الحسابات والمواقع الطائفية وتقديم القائمين عليها للمساءلة القانونية.

ولا أظن أن من الصعب على المسئولين المعنيين اكتشاف الحجم المريع من المقالات والكتابات والمساهمات الطائفية التي هدفها إحداث تصادم طائفي بين أبناء البلد، والسعي لصب الزيت على النار… ثم يصرخ من يصرخ: «المجتمع البحريني أصابه شرخ طائفي»!.. سلامتكم.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *