وليد جاسم الجاسم

بين الجحيشة.. والانكسار

خبر قرأته في الزميلة (الراي) منذ أيام يتحدث عن شكوى رفعها معلم في مدرسة ابتدائية ضد مدير المدرسة المساعد (أظن بمرتبة وكيل المدرسة أيام مسميات جيل الطيبين) لأن المدير المساعد دخل عليه الفصل وتوجه الى طالب محدد صفعه على وجهه من دون سابق إنذار، الأمر الذي أصاب المعلم بالذهول وأدى الى إجهاش الطالب بالبكاء، وقد رفع المعلم الشكوى ضد مساعد المدير لأنه تسبب بـ(الانكسار النفسي) ضد الطالب ورفع كذلك والد الطالب شكوى مماثلة باعتبار أن الحادثة أدت الى إصابة ابنه بالاكتئاب!
لا أتفق مع أسلوب المعلمين الذين يقومون بضرب الطلبة أبداً، وغالباً ما ينم أسلوب الضرب وبالذات الضرب المفرط عن ضعف في الشخصية يحاول تغليفه بالعنف. بل إنني أذكر اننا في مراحلنا الدراسية المختلفة مرّ علينا أساتذة (مهزّأون) رغم أنهم يصرخون ويشتمون ويضربون الطلبة في كل وقت.. في زمن لم تكن فيه قيمة كبيرة أو اعتبارات هامة لمفردات مثل (الانكسار) و(الاكتئاب)، كما كان الآباء معيناً للأساتذة ضد أبنائهم وليس العكس الذي نراه اليوم.
ولكننا رأينا من يصرخون ويشتمون ويضربون ليسوا بالضرورة يمتلكون قوة الشخصية والقدرة على قيادة الفصل ولفت انتباه الطلبة. بل وبعض المدرسين ممّن يلجأون الى العنف كانوا يتعرضون الى حملات إيذاء ممنهج من الطلبة تجعلهم عرضة للتهزيء اليومي وتقترب بهم شيئاً فشيئاً من الجنون.. مثل أستاذ مادة (العلوم) العربي الجنسية الذي أوصله بعض الطلبة الى حد قيامه بنزع حذائه أمامنا في المختبر ونحن في المرحلة الثانوية وأخذ يضرب رأسه بحذائه وهو يصرخ بهستيريا.. أنا السبب.. أنا السبب!! وفي الوقت نفسه كان لدينا معلمون لا يلجأون الى الضرب أبداً ولا يحملون العصا ولا الخيزرانة معهم ولكن نظرة واحدة منهم كفيلة بجعل أشطن الطلاب مجرد «قملة مقصوعة».
في إحدى المراحل كان لدينا ناظر مدرسة متمسكاً بالأساليب التربوية القديمة الى درجة اننا رأينا (الجحيشة) في باحة المدرسة مراراً، حيث يجلب فراشان الطالب المستهتر أو المشكو في حقه ويربطان رجليه بعصا وحبل وينزعان عنه حذاءه فيما يقوم الناظر أو الوكيل بضرب باطن قدمي الطالب بالخيزرانة بنفسه ونحن في طابور الصباح نتابع الحدث!، ثم يفك الطالب ويؤمَر بالوقوف فتراه يقفز من رجل الى رجل لعدم قدرته على الوقوف من فرط الألم.
لكن هذا الطالب.. هل تاب؟.. أبداً.. فبعد أيام من ضربه بهذا الشكل المهين رأيته يخرج (زهيوي) محترم الحجم داكن اللون من علبة كبريت خالية وضعه فيها للحفاظ عليه بصحة جيدة دون إيذائه.. وما ان مرّ معلم اللغة الإنجليزية العربي بين طاولات الطلبة في الفصل وهو يشرح لنا الفرق بين «ذس» و«ذات» حتى وضع (الزهيوي) على بنطلون الأستاذ برشاقة وخفة يد لم يلحظها إلا عدد محدود من الزملاء.. ثم قام هو شخصياً بتنبيه المعلم.. استااااذ.. استااااذ.. زهيوي على «بنطرونك»!! وما ان رأى المعلم العربي الزهيوي الذي يفوق حجم زهيوية بلده بعدة مرات حتى بدأ يقفز في الفصل وينفض رجليه بشكل أسوأ مما فعله سمير غانم في مسرحيته الجميلة (المتزوجون) بعد حديث (الصورصار) مع الرقيقة شيرين.
الضرب بات أسلوباً غير حضاري في التعامل مع الطلبة.. وأظن أن مَن يفقد أعصابه ويقدم عليه في هذا الزمن لا يصلح لهذه المهنة، خصوصاً مع الأطفال في المرحلة الابتدائية. ومنا الى وزير التربية (المختلف جداً) في أدائه والذي لا يمكن لنا أن نحكم عليه بعد الدكتور بدر العيسى.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *