سعيد محمد سعيد

سلامة «الجبهة الداخلية»!

 

أمام قائمة «كارثية» طويلة من مهددات الاستقرار والتنمية في المجتمع البحريني، يلوح عنوان «سلامة وتمتين الجبهة الداخلية» وكأنه شعار هلامي بعد أربع سنوات شديدة عاشتها البلاد في إطار الأزمة السياسية، ولاتزال، فهل من سبيل لإغلاق هذا الملف الثقيل ومواجهة مخاطر وتحديات مخيفة قادمة؟

خلال السنوات الأربع الماضية، وبالتأكيد قبلها بعقود، لم تتمحور الروابط على ميزان «الثقة» بين السلطة والمعارضة من ناحية، ووجود قابلية كبيرة مسنودة بالإعلام والمال والخطاب المتشدد ومنه التكفيري قطعاً لتفتيت المجتمع من ناحية أخرى، بيد أن ما يمكن أن نتساءل عنه: «لماذا أجهضت كل المبادرات الوطنية الصادقة لإنقاذ البلد من الأزمة كتلك التي تقدمت بها شخصيات بحرينية لها مكانتها في المجتمع البحريني؟ ولماذا أفسح المجال للمتاجرين بالولاء والانتماء المزيف لكي يزيّنوا ساحة «حفل الزار» بما يشاءون من بهارج النفاق؟ ولماذا أصلاً يتحول الخلاف السياسي بين أي تيار أو مكون مع السلطة، إلى خلاف مذهبي عقائدي؟.

هناك من الأخوة الأعزاء من يحاول دائماً إغلاق أية فكرة تحليلية مجردة من العواطف تقوم على المنطق لتحليل أية ظاهرة أو قضية أو ملف تسبب في إرهاق البلد بقوله: «لا جدوى من الحديث عن الماضي ولننظر إلى المستقبل»، وفي هذا، إبعاد للمنهج السليم في دراسة الأسباب والمسببات ووضع الحلول! لا يمكن قراءة أزمة البلد من المنتصف أو من آخر صفحة في الملف.

إن اجتماع وزير الداخلية الفريق الركن الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة يوم الثلثاء (23 ديسمبر/ كانون الأول 2014) مع عدد من قيادات المجتمع وبعض الوجوه المحسوبة على جمعيات المعارضة، يلزم عقد المزيد من الاجتماعات مع الأطراف الوطنية (المعتدلة فقط)، فلا حاجة للشخوص التي تنهش اليوم نهشاً في أوصال المجتمع، ثم تعود بعد حين لتمثل دور المصلح، ولا شك في أن الاجتماع مهم «التحديات الأمنية التي تواجهها البحرين والآتية من انقسامات الإقليم تتطلب مزيداً من العمل لتعزيز وتمتين الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية، وتأكيد قيم التعايش بين أبناء البحرين»، لكن وجدنا خلال السنوات الأربع الماضية بروزاً مذهلاً مدعوماً بقوة لوأد أية مبادرة وطنية صادقة، حتى أصبح الحديث عن وجود تيار معارض في البلد جريمة كبرى وتآمراً.

ممارسات كثيرة خاطئة توجب على الجميع أن يطرحها على بساط البحث بصراحة، على ألا تقتصر النظرة ضمن مسار الحلول الترقيعية. فالأزمة في البلد تحتاج إلى مرئيات الشخصيات الوطنية المخلصة، ولا شك أن أهل البحرين ملّوا من شخصيات تفتقد القدرة والصدق لخدمة الوطن وتسعى في اتجاه مصالحها الفئوية الخاصة، واشتهر عنها مشاركتها في التأزيم والطائفية وإجهاض المبادرات.

ونظراً لتراكم تجربة الفشل والإقصاء للأصوات المعتدلة، وتغييب مبادرات مميّزة، كان بالإمكان تنفيذها لإنقاذ المجتمع، فإن الكثير من المواطنين بل والشخصيات ذاتها، وصلوا إلى حالة من اليأس وهذا واقع غير مطلوب إطلاقاً! لأن المسئولية الشرعية تجاه الوطن وشعبه تلزم المضي قدماً، خطوة تلو خطوة، حتى وإن كانت معاول الإجهاض مرافقة بكل قوة.

الحديث عن تأثير الأصوات المعتدلة، هو الأساس الذي طالبنا به منذ بداية الأزمة في فبراير 2011، لكن لنتكلم بصراحة مؤلمة، فحتى من انطلق بنوايا صادقة وعمل بإخلاص مع الشخصيات التي كانت تريد خيراً للبلد، أصبح مبعداً ومنبوذاً بل ومتهماً بالخيانة، وكأنه جاء بالإفك، وفتحت الساحة لإعلام مدمر وخطاب ديني يشعل فتيل الفتنة وكتابات تجارية تدّعي حب الوطن، فما الذي جناه الوطن من كل هذا؟ هل نكذب على أنفسنا ونقول إن «كل شيء تمام والأمور في أحسن حال؟».

لا شك في أن شعب البحرين، الموالي منهم والمعارض، مهما سيقت الاتهامات بالعمالة إلى الخارج والتآمر مع إيران أو غيرها، هو شعب يمتلك موروثاً انتمائياً كبيراً للوطن، لا يمكن نزع جذور انتمائه، حتى مع وجود الخلافات السياسية، والتي هي أصلاً حالة طبيعية في أي مجتمع متعدد يؤمن بالديمقراطية، إلا أن التحشيد الطائفي من جهة، وعدم تطبيق القانون على الجميع سواسية دون تمييز أو استهداف مع احترام حق أي متهم في إجراءات تقاضٍ عادلة، أدى إلى تقديم المتشددين وتغييب المعتدلين، ولهذا نسأل: «هل يمكن للفكر المتشدد ذي المآرب الشخصية والفئوية أن يبني وطناً أو مجتمعاً مستقراً؟ إطلاقاً، لا يمكنه ذلك بل ولا يريده أصلاً، فعقلية التشدد والتأزيم تقتات من الأزمات.

هناك الكثير مما يمتلكه أبناء البحرين المخلصين لتحقيق سلامة الجبهة الداخلية، فالنقاط يجب أن توضع على حروفها وفق الحلول السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ستسهم في تحقيق ذلك السياج الذي يحمي بلادنا. ولن يتحقق ذلك مع مزاجية تطبيق القوانين، ولن ينفع ذلك مع إعلام يرقص على عذاب المجتمع، ولن يفلح ذلك مع صحافة وكتاب ومقالات تتشفى ثم تتغنى بحب الوطن ثم تبث سمومها.

قد يكون كلام الشخصيات الوطنية المخلصة، سواءً كانوا من الموالاة أو المعارضة أم من المستقلين، موجعاً أو مؤلماً لقربه من الحقيقة، لكن… لكي يرتاح الوطن من عذاباته، لابد من إزالة الورم الذي يزيده سقماً، مهما كان حجم الألم. فكل بحريني شريف يحلم بوطنٍ للجميع بلا استثناء، وأبناء البحرين لن يقصروا في الذود عن ترابها المقدس.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سعيد محمد سعيد

إعلامي وكاتب صحفي من مملكة البحرين، مؤلف كتاب “الكويت لاتنحني”
twitter: @smsmedi

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *