حسن الهداد

أهل.. التقديس السياسي

دائما وأبدا.. تجد أهل النفاق وأهل العنصرية وأهل التطرف وأهل المصالح غير المشروعة ينشرون سموم أفكارهم في ساحات الجهل، ونجدها تنتهي بالنجاح على قفا الجهلاء.
فأينما وجد الجهل، فستجد أهل الشر يتسيدون المشهد الاجتماعي والسياسي والديني، ودائما ما يعتمدون على سياسة «فرق تسد» وللأسف كثيرون هم من في مجتمعنا أصبحوا ضحايا جهلهم المدمر.

قد يسأل سائل: هل تقصد أن مجتمعنا جاهل؟ الجهل هنا ليس بالضرورة أن يأخذ معناه السائد كما هو مفهوم في عقلية المجتمع، بل هناك جهل أكثر خطورة من الجهل ذاته، هو «الجهل المقدس» وهذا أنسب مصطلح للكاتب الفرنسي «أوليفييه روا» الذي نشر كتاب بعنوان «الجهل المقدس» وأبرز ما أشار إليه أن المجتمع يعيش زمن دين بلا ثقافة، هنا تفكروا معي في هذه الفلسفة وابعادها الخطيرة على المجتمع، واعتقد ان نتائج الدين بلا ثقافة هي أبرز عناوين ما يحدث اليوم على الساحة العربية الإسلامية، فالمشاهد أكثر من مؤلمة، وتنذر بأن المشهد القادم أكثر بشاعة.

وأنا هنا ليس بصدد الحديث عن الدين وممارسات من يحملون رايته، ولن أتطرق لكتاب «أوليفييه روا» لأن مضمونه ليس فكرتي، وكل ما احتاجه هو عنوان كتابه الذي أشار به إلى التقديس، وهنا يكمن صلب موضوعي، ومادمنا ذكرنا التقديس، علينا أن نفهم خطورة تقديس الأشخاص والأحزاب بشتى أشكالها، حينها ندرك أهمية معنى الولاء للوطن، لأن ما يحدث اليوم من تقديس للأشخاص والجماعات بات يفوق المنطق والعقل، فرغم البلاوي التي ارتكبوها نجد أنصارهم يدافعون عنهم بسلاح جهلهم المقدس، وهذا الأمر للأسف ما يحدث اليوم على ساحة المشهد السياسي في البلاد وبات يشكل خطرا حقيقيا على استقرار البلد من كل النواحي.

كيف يحدث ذلك.. هناك من يقدمون الولاء للأشخاص والأحزاب والجماعات بكل وقاحة رغم أن حقيقة افعال رموزهم أكثر قباحة، وكل يوم تشرق أمام أعينهم شمس أكاذيبهم، وللأسف الكويت باتت آخر همهم، وبالنسبة لهم ما هي إلا بقرة حلوب ليس أكثر، وشعاراتهم الوطنية دائما ما تكون فخا لاصطياد أتباعهم من محبي التقديس من الجهلة.

وتجد مواقفهم اللامشرفة أشهر من فضحية الداو كيميكال، وأقبح من عذر فضيحة توربينات طواري 2007، وأشد فسادا من سلسلة مناقصات الترضيات، وأكثر ألما من السكوت عن خسائر التأمينات التي وصلت قيمتها مليارا و 800 مليون دينار في 2008/ 2009، وأكثر قسوة من صمتهم عن تعطيل عجلة التنمية وتطوير قطاع الصحة والتعليم فضلا عن التقاعس عن قضية الاسكان، ولعبة العبث بالمناصب القيادية، وغيرها من قضايا يشيب لها الرأس، ولا ننسى لعب بعضهم على الوتر الطائفي وإشعال فتيل سراج الطائفية، وعلى الرغم من كل هذه الكوارث التي ارتكبوها لم نجد من يحاسبهم، بل مازال التقديس الشعبي يهرول وراءهم بدلا من محاسبتهم على تعاسة ما نحن فيه من فوضى.

هؤلاء ما هم إلا كذبة الاصلاح الكبرى، فلو كانوا في بلد يملك ثقافة المواطنة الصالحة، وثقافة الولاء الحقيقي، وثقافة الانتصار للمستقبل، فسنجد أقل عقاب يستحقونه هو محاكمتهم على خراب «روما» ومن ثم يتم اخراجهم عنوة من المشهد السياسي واستبدالهم بوطنيين يعرفون حق الوطن عليهم وحقوق المواطنين، ولكن يبقى الجهل المقدس الممزوج بألون المصالح الضيقة هي مشكلة مجتمع تحتاج إلى معجزة تهدي المصابين ببلاء التقديس اللا مبرر والذي جاء نتيجة تركمات وتحالفات وصراعات معروفة لكل مراقب سياسي متمكن يرى المشهد بعين واقعية بعيدة عن الحسابات الشخصية.

يا أهل التقديس.. قدسوا الكويت ولو مرة واحدة بضمير حي بدلا من تقديس الجماعات، وستتحول الكويت إلى بلد الإنجازات بمليون وطني.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

حسن الهداد

كاتب صحفي حاصل على درجة الماجستير بالاعلام والعلاقات العامة
twitter: @kuw_sky

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *