سامي النصف

الفتاوى بين أهل الذكر وأهل العلم

في بداية القرن الماضي تفننت جماعات صغيرة من رجال الدين في خلق حالات شاذة وغريبة ثم الافتاء والرد عليها كالقول: ما حكم شخص ألقى على امرأة الطلاق ثم تزوجها فهل يصح طلاقه؟ وبيت هدم بفعل زلزال فسقط صاحبه على احدى محارمه فحملت منه فهل يجوز الاجهاض في هذه الحالة؟ وضمن أحد كتب الفتاوى الذي صدر قبل سنوات قليلة قرأت سؤالا عن حكم قلم أظافر اليد «الثالثة» للحاج أو المعتمر!

تم الافتاء مؤخرا بجواز استخدام المنظار أو التلسكوب في تحري رؤية هلال رمضان، ومعروف ان الرؤية تصح لمن لبس النظارة الطبية، والمنظار هو نظارة طبية بشكل أكبر، كما ان المنظار لا يرى بذاته بل العين هي التي ترى من خلف المنظار. والسؤال المستحق: لماذا انتظرنا كل هذه السنوات لنفتي بما هو أقرب للبديهة وما يثبت أنه لا تعارض في الإسلام بين أهل الذكر وأهل العلم؟!

وقد يكون الوضع الأمثل لرؤية هلال الشهر الفضيل كي تتوحد الأمة ويتوحد قبل ذلك تاريخها الهجري كي يصبح معتمدا في المعاملات التجارية والدولية، حيث ان اول رمضان يختلف هذه الأيام باختلاف الدول الاسلامية، فقد يكون يوم السبت في الكويت والاحد في عمان والاثنين في ايران، في زمن اصبح فيه للدقيقة والثانية قيمة ومعنى مما يصعب اعتماد التقويم الهجري كتاريخ ثابت لتسلم بضاعة أو تحويل نقدي.. الخ.

الوضع الأمثل هو ان تتفق الدول والجماعات الاسلامية على ان الرؤية في مكة المكرمة توجب صيام كل الدول الأخرى، حيث لا تجوز الرؤية في كل قرية ومدينة وقطر، ثم تعتمد الحسابات الفلكية العلمية الثابتة في تحديد رؤية الهلال من عدمه فإذا ما ثبت استحالة رؤيته لا يتم تحريه ولا تؤخذ شهادة من ادعى الرؤية، اما اذا ثبت علميا القدرة على الرؤية، حينها تستخدم المناظير وحتى الطائرات (جبال العصر) للتثبّت مما هو ثابت، ويفضل ان تكون لجنة الرؤية بمكة المكرمة ممثلا بها بشكل دائم مندوبون عن السعودية (السنة) وإيران (الشيعة) واليمن (الزيدية) وعمان (الاباضية) وبشكل متغير ممثلون عن بقية الدول والمذاهب الإسلامية حتى يمكن القضاء على الاختلاف والتشرذم الاسلامي.

كما جاءت الفتوى هذا العام بجواز إفطار من يعمل تحت الشمس الحارقة ويخشى عليه من الموت، وهو أمر منطقي ويتماشى مع احكام الشريعة الاسلامية السمحة. الآن الإشكال هو إن أفطر ذلك الشخص في مكان عمله تحت الشمس وجبت عليه عقوبة المجاهرة بالافطار التي يجب النظر في إلغائها حيث لم تكن معروفة ابان عصر الدولة الاسلامية الذهبي، وكيف نسمح بإفطار غير المسلم والمريض ولا نفتح له مطاعم تتيح له ذلك، كما نعاقبه إن قام بما سمحنا له به؟ وهل ايمان الصائم المسلم ضعيف لدرجة انه سيفطر لحظة رؤيته غير مسلم يقوم بالافطار المسموح به؟!

وفي كل عام تطرح قضية المسلمين في الدول ذات المواقيت غير المنتظمة (شمال روسيا والسويد والنرويج وجنوب الارجنتين وتشيلي ونيوزيلندا ..الخ) وعادة ما يقال اتبعوا مواقيت اقرب الدولة الاسلامية. وماذا لو تحولت تلك الدول الشمالية والجنوبية الى اسلامية؟ وما هو تعريف الدولة الاسلامية تحديدا؟ الأفضل من ذلك قد يكون باعتماد الساعة لتحديد مواعيد افتراضية للصلاة والصيام تفرض فواصل منطقية بينها: (الساعة 6 لصلاة الصبح، 12 للظهر، 4 للعصر، 6 للمغرب، 8 للعشاء كمثال).

وهو الأمر القائم في جميع الدول الاسلامية طوال العام حيث لا يضع احد عصا ويتابع ظلها لتحديد مواعيد الصلاة، كما لا يحتفظ الناس بخيوط بيضاء وسوداء لتحديد مواعيد الامساك والافطار، بل يستخدمون مواقيت الساعة لتحديدها، ميزة اخرى لاستخدام مواعيد الساعة هي ملاءمتها كذلك للمسافرين مستقبلا الى الكواكب السيارة حيث لا يعتد بمواعيد شروق شمسنا وغروبها ولا بدوران القمر ولا بطول اليوم الأرضي.

آخر محطة:

أرسلت ذات مرة «الكويتية» رسائل إلى جهتين في الدولة تطلب معرفة مواعيد الافطار للطيارين وللمسافرين. وقد أتى الردان متعارضين بمقدار 180 درجة أي يلغي احدهما الآخر، وأحد أسباب الاشكال ان احدا لم يسأل الطيارين المعنيين عن امكانية تطبيق الفتوى بهذا الشكل أو ذاك، لذا نرجو اعادة بحث الموضوع المهم بعد ان يسأل أهل الذكر أهل العلم من مختصي الطيران.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *