في خضم الصراعات السياسية «الماسخة» التي تحتل كل أو جل اهتمامات الإعلام المحلي والتي تفرّغ لها أغلب برامج الهواء الساخن الحوارية، التقيت قبل أيام بمجموعة من الشباب والشابات الكويتيين ممن تم تسريحهم من شركات القطاع الخاص وأصبح المستقبل مظلما ومؤلما بالنسبة إليهم ومنهم من يعول أسرا وأبناء وعليهم التزامات مالية عديدة.
وأول شكاواهم أن عدم محاسبة الأجهزة الرقابية لأعمال الشركات الخاصة المسؤولة عنها، كحال جميع الدول الأخرى، أدى إلى خسائر ضخمة لم يحاسب عليها من تسببوا فيها بل سمح لهم ـ حسب قولهم ـ بتسريح من لا ذنب له في تردي أداء تلك الشركات الخاصة وشبه الحكومية التي تملك الحكومة ملكيات مؤثرة فيها، والغريب كما يذكرون ان بعضا من تلك الإدارات قامت بزيادة رواتبها ووظفت غيرهم.
ومما قاله من التقيتهم ان البعض منهم لا يريدون العودة للعمل الحكومي المترهل، لذا حاولوا التوجه لنظام المبادرة الفردية فوجدوا الشروط التعجيزية غير الموجودة في الدول الأخرى تنتظرهم، فمطلوب منهم على سبيل المثال 10 آلاف دينار كثمن لدراسة الجدوى الاقتصادية لمشروعهم (!)، ثم تفرض عليهم مشاركة الطرف الحكومي بـ 55 إلى 80% من المشروع، اي يصبح ذلك الطرف هو صاحب القرار الأول في المشروع (!) كما يفرض عليهم، إن نجح المشروع بعد تلك الشروط التعجيزية، ان يشتروا حصة الطرف الحكومي، لا عبر دفع ما دفعه مع نسبة ربح، بل بالقيمة السوقية لتلك الحصة، اي معاقبة المستثمر بسبب نجاح مشروعه، او فرض بقاء شريك مترهل لا يعمل شيئا.
وتخبرني سيدة منهم انها حاولت اللجوء لنظام العمل من المنزل والبيع والشراء عن طريق الإنترنت لسلع مختلفة، وهو أمر تسمح به الدول الأخرى وتمنح الرخص الخاصة به، إلا أنها اصطدمت بالتشريعات الحكومية البالية التي لا تسمح بذلك العمل، كما أن المؤسسات المالية والبنوك تتقاضى عمولات ضخمة غير مبررة على عمليات التحصيل المالي لما يتم بيعه، في وقت لا تخصم فيه بنوك الدول الأخرى إلا مبالغ زهيدة لتشجيع مثل تلك الأنشطة.
وفي هذا السياق تقوم الصناعة في الدول الأخرى على مواد أولية باهظة الثمن كالأخشاب وغيرها، وللمعلومة الكويت هي الأكثر انتاجا في العالم للمواد الخام المختلفة وبأسعار «مجانية»، فالزبالة الكويتية ثرية وممتلئة بتلك المواد التي يمكن استخدامها لإنشاء صناعات تحويلية وإعادة تصنيع يقوم بها الشباب، فالمواد الغذائية يمكن تحويلها عبر نظام المبادرة الفردية الى اسمدة عضوية، والجرائد الى اوراق بيضاء وعلب المشروبات الغازية الى ألمنيوم، وقناني الزجاج الى صناعة الزجاج، ومثل ذلك التواير وحديد السيارات.. إلخ.
ومما يساعد الشباب والشابات ويساعد الاقتصاد ويساعد الحكومة ويساعد ويدعم بشكل أساسي مشروع «كويت المركز المالي» ويحوله الى حقيقة قائمة، تطوير القطاع الحكومي (لا الخاص) الى ما هو قريب لا نقول في الدول المتقدمة، بل فقط في الدول الخليجية الأخرى، فلن يأتي مستثمر واحد يجد أن معاملة في الكويت تستغرق 6 أشهر لإنجازها لا تأخذ إلا 6 دقائق لدى الدول المجاورة. إن تطوير القطاع الحكومي يجب أن يسبق عمليات تخصيصه وبيعه.
آخر محطة:
زرت واللواء جاسم المنصوري مدير عام الإطفاء قبل مدة مركز المعلومات والتوثيق في الهيئة العليا لتطبيق الشريعة والتقينا هناك بكفاءة كويتية نادرة ممثلة في السيد عبدالرحمن الناصر مدير المركز، وقد ذهلنا مما رأينا، خطة التنمية وتطوير العمل بالقطاع الحكومي ومشروع الحكومة الإلكترونية في حاجة ماسة لإبداع السيد الناصر وعقليته الخلاقة، ولن تندم الجهة التي تستعين به.