في 18/11/1957، اصدر مجلسا الأمة في مصر وسورية بيانا عكس رغبتهما في إقامة اتحاد «فيدرالي» بين البلدين تحول فيما بعد الى وحدة اندماجية نكاية في الشيوعيين، وبعد ان حاز ذلك الخيار 99.99% من الأصوات في مصر و99.98% في سورية، ورفع الشعب السوري سيارة عبدالناصر عندما زار دمشق وتزلزلت الأرض في المنطقة، حيث حدثت ثورتان شعبيتان في لبنان والأردن وانقلابان عسكريان في السودان والعراق وثارت اليمن والجزائر وأعلنت بعض التوجهات السياسية في الكويت رغبتها في ان تكون بلدنا كحماة وحلب في دولة الوحدة وحدثت مظاهرات فأغلقت بعض الجمعيات الأهلية والصحف.
استضافت «الجزيرة» قبل مدة قصيرة قائد الانقلاب (28/9/1961) على الوحدة المصرية ـ السورية عبدالكريم النحلاوي ليدلي بشهادته على العصر، وكان مما قاله ان الوحدة تحولت الى تسلط بعد ان أرسل عبدالناصر لسورية المشير وزمرته وضباطه وصلاح نصر وأجهزته ومخابراته لتشهد سورية للمرة الأولى في تاريخها آنذاك ظاهرة زوار الفجر، وتغييب القانون والقتل والإذابة في الأحماض والتي كان من ضحاياها الزعيم السياسي اللبناني فرج الله الحلو، إضافة الى عمليات التأميم التي طالت المخابز والمطاعم والحرف والمزارع الصغيرة، والغريب كما يذكر النحلاوي أنهم اتفقوا بعد الانقلاب مع المشير، وحسب البيان رقم 9، على بقاء الوحدة وإبعاد أجهزة التعذيب والتسلط إلا ان بيانات إذاعة «صوت العرب» التي كان يكتبها هيكل ويذيعها أحمد سعيد رفضت ذلك الاتفاق مما أدى الى وقوع الانفصال.
في الكويت إبان حقبتي ناصر وصدام، آمنت بعض التوجهات السياسية الكويتية بشكل خاطئ بالوحدة مع مصر الثورية أو العراق العسكرية، وكلاهما كانا يحكم بالديكتاتورية القمعية والتأميم والافقار والنقص الشديد في مستلزمات الحياة، فهل كان دعاة الوحدة آنذاك ومنهم مثقفون ورجال أعمال يعتقدون ان نبقى ضمن نفس الحريات والرفاه في حال وقوع الوحدة؟! ان كل ما شاهدناه إبان الغزو الصدامي من قتل وقمع ودمار وإفقار هو تماما ما كنا سنحصده منه لو لم يكن هناك غزو بل وحدة طوعية وشعبية بين بلدينا كما كان يحلم بذلك المروجون لشعارات.. «سيف العرب»!
وسألني بالأمس مراسل «العربية» عن الوحدة الخليجية، فكانت الإجابة الإيمان الشديد بها نظرا لأن معطياتها تختلف تماما عن معطيات مشاريع الوحدة العربية الثورية القائمة على القمع، وان على الوحدة الخليجية ان تتم بشكل متدرج مدروس، نظرا لوجود تباينات سياسية واقتصادية واجتماعية بين دولنا، واقترحت ان نبدأ كما حدث في أوروبا بالوحدة العسكرية (حلف الناتو) نظرا لحجم المخاطر التي تحيط بدولنا الخليجية الست وذلك عبر تقريب وتوحيد الأنظمة الدفاعية وأنواع القيادة والتدريب والطائرات والدبابات والمدرعات، فالجزء الأمني والعسكري لا يحتمل الانتظار حتى إتمام الوحدة الاقتصادية والسياسية.
آخر محطة: 1 ـ قضية مهمة تستحق التأمل فيها، غفرنا في الكويت ونسينا ما قام به صدام وزمرته وحلفاؤه من قتل ونهب وتعذيب وهتك أعراض وحرق آبار.. إلخ، وهو أمر جيد.
2 ـ السؤال لماذا مازلنا لا نغفر لبعضنا البعض أي زلة صغيرة أو كلمة خارجة ومازالت تخندقاتنا وخلافاتنا ومعاركنا وحروبنا، ضمن العائلة الواحدة أو العمل أو المجتمع الواحد، باقية بل وتزداد مع الأيام اضطراما واشتعالا رغم أنها لا تختص بدم أو عرض أو مال؟!
3 ـ 99% من الإشكالات التي تعصف بالمجتمع الكويتي سخيفة وبلا معنى وأغلبها تم نسيان سبب الخلاف لتفاهته وان بقي العداء المدمر مستمرا، منتهى الذكاء!
(4) في الكويت وقبل التفكير في الوحدة الخارجية مع الآخرين، علينا ان نفكر في وحدتنا الداخلية وتراص بعضنا البعض كي لا ينتقل فيروس «الشقاق والافتراق» المعدي الى المجتمعات الخليجية الآمنة الاخرى فنضر بدلا من ان ننفع، حيث اننا امة كثر بيننا الخلاف والجدل وقل بيننا الانتاج والعمل.
(5) استبدل المؤرخون خلافات أهل بيزنطة التاريخية الشهيرة بـ .. الخلافات الكويتية «المليغة»..!