لم يتوقف تحرك مجموعة الـ 26 للتحذير من الهدر الكبير في المال العام والذي ستظهر آثاره المدمرة في الغد كحال اليونان التي قامت حكومتها الاشتراكية بمحاولة ارضاء نقاباتها وموظفيها مما نتجت عنه ديون جاوزت 400 مليار دولار أجبرتها في النهاية على خفض شديد في رواتب الموظفين وزيادة الضرائب وايقاف مزايا التقاعد مما أثار أعمال العنف القائمة هذه الايام.
وكنت أتابع أخبار «فوكس نيوز» يوم الخميس والذي يظهر أسفله مؤشر داو جونز عندما بدأ المؤشر يتحرك كالسحر من خسارة 300 نقطة إلى 400 و500 و600 ولم يتوقف إلا عند خسارته 1000 نقطة خلال دقائق قليلة قبل ان يعاود الصعود قبل الاقفال، وقد ذكر المحللون أن من بين اسباب الانهيار كارثة اليونان التي من المتوقع ان تمتد الى دول ريعية أخرى كاسبانيا وايطاليا وايرلندا والبرتغال وجميعها دول اخضعت قراراتها الاقتصادية لعمليات الترضية السياسية.
ولو تصورنا «سيناريو» مستقبليا شديد «الواقعية» تنخفض ضمنه وبشكل سريع أسعار النفط وتظهر بالتبعية عجوزات ضخمة بالميزانية العامة للدولة التي أثقلتها المطالبات «الشعبوية» المدغدغة من نواب لا يعرفون «ألف باء» الاقتصاد ويرفعون شعار «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب»، ثم بدأت بعد ذلك الضغوط لخفض سعر الدينار وبدأت معها المنظمات الاقتصادية الدولية بفرض شروطها «المعتادة» للمساعدة وأولها شرط رفع الدعم عن الكهرباء والماء والبنزين والمواد الغذائية، فلن يعطيك أحد ـ حسب منطقهم ـ أموالا لتدعم بها منتجات تبيعها بعشر سعرها.. وساعد نفسك قبل أن تطلب منا أن نساعدك.
ان من شاهد ليس كمن سمع، وقد عشت شخصيا في اندونيسيا (أحد النمور الاقتصادية) 3 أشهر شهدت خلالها تداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة التي أصابتها وأصابت النمور الآسيوية الاخرى أواخر التسعينيات وكيف لم يعد لعملتها الورقية أي ثمن، مما جعل الناس تتطاحن على محلات الاغذية لإخلاء الأرفف من كل شيء، وكيف توقفت حركة الطيران وبيعت العقارات بسعر التراب وهُجرت الفنادق والمطاعم والاسواق وغادر السائحون البلاد وبدأت الاضطرابات السياسية والأمنية فيها.
ان اصل كل تلك المصائب الاقتصادية هو المبالغة في الصرف الاستهلاكي (الذي نعيشه هذه الايام) دون التحوط لما قد يحدث في الغد ودون الانتباه الى ان الكوارث الاقتصادية تأتي على حين غرة، فيصبح الناس سكارى وما هم بسكارى، وواضح ان معضلة مثل تلك سيكون أثرها على بلدنا اكثر فداحة من الدول الاخرى كوننا لا نملك أسس الاقتصاد الحقيقي من منتجات زراعية وصناعية… إلخ، بل نستورد كل شيء ومن ثم سنصبح مرتهنين وملزمين بطاعة وتنفيذ أي توصيات خارجية لتصحيح مسار الاقتصاد.. ولنفعّل ما أتى في تقرير «بلير» بدلا من أن نضرب بتوصياته عرض الحائط.
آخر محطة:
(1) الحل الناجع لإشكالات الكويت الادارية والاقتصادية لا يكمن في إخفائها تحت سجادة الخصخصة المستعجلة وغير المدروسة، بل عبر العمل لرفع أداء الإدارات الحكومية كي تصبح بمستوى شركات القطاع الخاص الناجحة، ومن ثم رفع مستوى التعليم العام ليصبح مقاربا للتعليم الخاص من إجادة لغات وتقنيات حديثة توفي بحاجات السوق.
(2) حسنا فعل وزير الصحة بإحضار إدارات أجنبية لمستشفياتنا العامة فتلك خطوة أولى في الطريق الصحيح، ونرجو ان يدربوا قبل تسلّم أعمالهم على كيفية تفادي.. «ضرب العُقل» و«حذف النعل» السائدين في مستشفياتنا بسبب التسيب السابق!