بعد حادثة الطائرة الأفغانية في مطار غاتويك البريطاني في ديسمبر 1969 والتي قام خلالها الطيار بمحاولة النزول رغم إبلاغ البرج له بانعدام الرؤية مما نتج عنه تحطم الطائرة ومقتل ركابها، قررت سلطات الطيران المدني في أغلب بلدان العالم نزع صلاحية النزول من عدمه من يد الطيار حال وصول مستوى الرؤية الى حدود دنيا معينة بل ومعاقبته إذا حاول النزول.
وينصح أغلب خبراء سلامة الطيران بعدم الهبوط في المطار إذا فشلت عملية النزول لمرتين متتاليتين، والسبب في ذلك ان كثيرا من حوادث الطيران تمت بعد تلك المحاولتين نظرا للإجهاد الذي يصيب الطيار، إضافة إلى تناقص الوقود بسبب تكرار المحاولة والذي يضيف عاملا نفسيا يرغم الطيار على الهبوط بأي ثمن، كما أن ذلك التكرار يعني أن للطيار أسبابا خاصة أو عامة تجعله يود النزول رغم المخاطرة في ذلك المطار المحدد، ظاهرة ((FANTASY OF DESTINATION التي سبق الحديث عنها.
كانت الرؤية في مطار سمولنسك العسكري الروسي شبه معدومة إضافة إلى قصر ممر النزول وعطل جزئي في الأجهزة الملاحية وإشكالية اللغة بين مراقبي البرج الروس والطيار الپولندي، وقد سمح البرج للطيار بتكرار محاولة النزول رغم انعدام الرؤية، وكان يفترص أن يأمره بالتوجه إلى مطاري مينسك أو موسكو بالقوة وقد حاول الطيار النزول 3 مرات وتحطمت الطائرة في المحاولة الرابعة.
وكان الرئيس الپولندي الراحل ليخ كاتشينسكي قد حاول في أغسطس 2008 أن يأمر كابتن طائرته المتجهة الى تبليزي عاصمة جورجيا بالنزول رغم خطورة الأوضاع الأمنية هناك قائلا له «أن تكون طيارا يعني أن تكون شجاعا».. ولما رفض الكابتن غريغوز بيتوكاز ذلك الأمر هدده الرئيس بالمحاسبة والعقاب حال العودة لوارسو إلا أن الجيش منحه ميدالية تقديرا لقراره بعد ذلك.
لذا يعتقد بعض المحققين أن كابتن الطائرة اركادوز بروتسوك إما قد تسلم أوامر مباشرة من الرئيس بالنزول رغم الأجواء، وهو أمر قد يكشفه الصندوق الأسود، أو أنه تذكر إشكالية زميله فقرر من ذاته أن يكرر المحاولة حتى لا يعنّفه الرئيس أمام الوفد الرفيع المرافق، ويضاف لذلك خصوصية المناسبة التي يرقبها الشعب الپولندي قاطبة وهي الاحتفال بذكرى مقتل 22 ألف ضابط پولندي أبادهم الطاغية ستالين في غابة كاتين عام 1940 إبان تحالفه المبكر مع هتلر.
ومما يثار في پولندا هذه الأيام دون بينة أن الروس عطلوا أجهزة الملاحة حتى تتجه الطائرة لمطار آخر لمنع ذلك الاحتفال الذي يعتقد أن الرئيس الپولندي اليميني كان سيطالب خلاله باعتذار رسمي من موسكو ودفع تعويضات عن تلك المذبحة، وأن ذلك قد يكون سببا مضافا لفرض الرئيس عملية النزول على كابتن الطائرة.
آخر محطة:
(1) لايضاح الحقيقة، الخبر الذي نشرته «الأنباء» على صفحتها الأخيرة قبل أيام يختص بطيار كويتي «متقاعد» لا يعمل حاليا ومن ثم فهو لا يتحدث عن ممارسته للطيران هذه الأيام، وعليه اقتضى التنويه كي لا يظلم ذلك الطيار ولا يظلم الطيارون الآخرون.
(2) والشيء بالشيء يذكر، يخبرني طيار عراقي صديق بأن عدي صدام حسين كان يرغم طياري الطائرة العراقية الجامبو التي تقله وصحبه، على شرب قنان من الخمر أثناء الرحلة، وكان الطيارون يتناوبون الذهاب للحمام لإفراغ ما في جوفهم. الأمة كانت ستترحم على صدام لو حكم ابنه عدي!