سامي النصف

التدمير والتعمير تحت ظلال الدستور

المؤكد ان الآباء المؤسسين للدستور لو أطال الله في أعمارهم لما ارتضوا بتحول ديموقراطيتنا من القدوة الحسنة للآخرين إلى القدوة السيئة، واقتصادنا من الريادة والقيادة في المنطقة إلى المتخلف عنها والحال كذلك مع تراجعنا الشديد والملحوظ في كل مجالات الحياة الاخرى، لذا فعدم الرضا المفترض لا علاقة له بالديموغرافيا بل بالممارسة الخاطئة أين كان مصدرها.

ان الدساتير والديموقراطيات والحريات في العالم اجمع ما وضعت الا لتوحيد الأمم لا تفريقها (كحالنا)، ولدعم عمليات التنمية لا تعطيلها، وللحفاظ على الوحدة الوطنية لا تمزيقها، ولمحاربة الفساد المالي والإداري لا تشجيعه، وللقضاء على التعصب والتطرف لا المساهمة في دعمه عبر الإعلام غير المسؤول، وشتان ما بين ديموقراطية متقدمة معمرة ارادها الآباء المؤسسون وديموقراطية متخلفة مدمرة نعيشها هذه الأيام.

لقد اختار الآباء المؤسسون وببعد نظر ثاقب الأخذ بالخيار الديموقراطي الذي لم يكن معروفا أو معمولا به في العالم أجمع آنذاك، حيث كانت جل الدول تنقسم ما بين ديكتاتوريات يسارية وقومية وديكتاتوريات عسكرية ويمينية لا فرق بينهما في القمع ومصادرة الحريات ولم تكن الديموقراطية الحقة ممارسة الا في قلة قليلة من دول غرب أوروبا وشمال أميركا ولبنان واسرائيل.

ومن الامور التي تميز بها الآباء المؤسسون قدرتهم على التنظير والممارسة السياسية الراقية وهو ما تشهد به محاضر المجلس التأسيسي، حيث استحال في زمنهم صدور مطالبات شعبوية مدغدغة ومدمرة تستخدم المال العام في قضايا لا عائد ماليا لها على الدولة، والمؤسف بل والمخجل ان بعض من يدعون الوصل بالأولين وحمل الراية والحفاظ على الدستور هذه الايام هم كبار المزايدين والمدغدغين في قضايا شعبوية غير عقلانية يعلمون قبل غيرهم ان حكماء الدستور ومؤسسيه لا يرضون بها او بمثلها ابدا.

ان السبب الرئيسي الذي يمنع احزاب المعارضة في الدول المتقدمة ـ وحتى المتأخرة ـ من طرح مشاريع وقضايا مدغدغة كالتوقف عن تحصيل الضرائب او مستحقات الدولة والبنوك وغيرها من افكار غبية كوسيلة للوصول او للعودة للكراسي النيابية، هو وجود مفكرين ومنظرين وساسة ومستشارين لدى حكوماتهم قادرين على تفنيد المطالبات المجنونة وكشف الضرر الفادح لها على حاضر بلادهم ومستقبل اجيالها وهو ما نفتقده تماما في كويت الحاضر الذي تفشت فيه ظاهرة فريدة وخطيرة هي من يحصدون الآلاف بل والملايين من جيوب الشعب وأمواله العامة ثم يصمتون صمت الحملان عن هدر موارد الدولة حفاظا على سلامتهم وأموالهم الخاصة.

آخر محطة :

(1) السبب «الحقيقي» لدعاوى البعض الزائفة بالحفاظ على الدستور هو الخوف الشديد من اضافة بنود تحد من الفساد التشريعي الفاضح الذي أزكم الأنوف، وتحاسب من احال الكراسي الخضراء إلى مناجم ذهب لم يشهد لها العالم مثيلا.

(2) أعتذر لأسباب فنية تتعلق بوجودي خارج البلاد من عدم الرد «مؤقتا» على الرسائل الالكترونية وستصل الإجابة فيما بعد.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *