نعلم جازمين ان القيادة السياسية في الكويت لا تفضل اللجوء للحل الدستوري، ناهيك عن الحل غير الدستوري، وانه لو كانت هناك عشرة خيارات امامها لوضعت خيار الحل في آخر سلم تلك الاولويات، وهو امر اكده مرة اخرى ما تسرب من اخبار عن لقاء الاسرة الاخير ان الحل كالكي لا يستخدم الا بعد استنفاد كل الخيارات الاخرى، وهنا يأتي دور حكماء وعقلاء المجلس في تقديم الخيارات البديلة.
«السياسة» كما هو معروف هي فن الممكن، وواضح ان عدم وجود عمليات تأهيل سياسي للاعبين تحت قبة المجلس حوّل ذلك التعريف الى النقيض منه، واصبحت اللعبة السياسية في الكويت تدار عبر طلب المستحيل لا الاخذ بالممكن وتوجيه رسائل لكبار المسؤولين مفادها ان اخذتم بهذا الخيار استجوِبتُم وان اخذتم بالثاني استجوِبتُم كذلك!
ان الخيارات المتوافرة للخروج من المأزق الحالي صعبة للغاية، فاستمرار القبول بعمليات الاستقصاد ومحاولة الاذلال يسيء لهيبة السلطة ويهدد باستفحال تلك الظاهرة واستخدامها تباعا من قبل «جميع» النواب الآخرين، فلو عثرت دابة في الوفرة او عطست فرخة في العبدلي لوجب اعلان الاستجواب وتعطيل حال البلد.
وفي المقابل، فخيار الحل الدستوري يحمل في طياته موازنة دقيقة بين الربح والخسارة، ففي جانب الربح سيمكّن الدولة من التقاط الانفاس وتمرير مراسيم الضرورة كما يمكن له ان يرسل رسالة مفادها ان عمليات التأزيم والاستجوابات الكيدية لن تمر دون دفع الثمن في محاولة لجعل الحل الدستوري اداة دافعة للحكمة والتعقل، وعلى الجانب السالب لهذا الخيار هناك احتمال ان يعزف رجال عرف عنهم الهدوء والرزانة، كحال الرئيس جاسم الخرافي وغيره، عن خوض الانتخابات المقبلة.
ويتبقى خيار الحل غير الدستوري وله مؤيدون ومعارضون كذلك، فعلى جانب التأييد يرى البعض ان البلد في حاجة ماسة لفترة هدوء طويلة يحتاجها الشارع السياسي قبل الحكومة ليتم خلالها الدفع بعمليات التنمية لحدودها القصوى في الدولة مع تفعيل دور الاجهزة الرقابية الاهلية والحكومية، ويمكن تبعا لتلك النظرية ان تستغل فترة الحل الطويلة في محاولة تغيير كثير من الثقافات السالبة السائدة المتوارثة قبل العودة للحياة السياسية الطبيعية، فالمهم في نظرهم هو انقاذ السفينة ثم الاختلاف بعد ذلك.
على الجانب الرافض للحل غير الدستوري، يرى البعض ان ذلك الخيار قد يتسبب في خلق مشاكل امنية في الداخل ورفض من الخارج، كما يقول ذلك البعض ان ذلك الحل يهز العقد الاجتماعي القائم بين الحاكم والمحكوم، والمستغرب ان رافضي ذلك الخيار لا يوفرون البدائل لما يجري عدا المقولة المدغدغة الخالدة: ان علاج مشاكل الديموقراطية هو بالمزيد منها، دون تفصيل.
آخر محطة:
من الامور التي تساعد على حلحلة المشاكل القائمة القبول بالاخذ بالخيارات الدستورية المتاحة كتأجيل الاستجواب او احالته للجنة التشريعية او المحكمة الدستورية او اقرار سرية بعض جلسات الاستجواب. سواء كان الحل دستوريا (شهرين) او غير دستوري (سنوات) فلن يتغير من الاوضاع شيء بعد العودة، وسنرجع سريعا لمسارات التوتر والتأزيم ما لم نبدأ في خلق اصلاحات وتشريعات واعراف تمس اسس اللعبة الديموقراطية الكويتية، ولهذا الخيار مقال آخر.