يقول بعض المحللين المحليين اننا كنا قبل 50 عاما نسبق دول الخليج بخمسين عاما من التطور، واليوم تسبقنا بعض دول الخليج بما يقارب الخمسين عاما رغم وجود تشابه يقارب التطابق في اوضاع الكويت وشقيقاتها من حيث الموقع والطقس والتاريخ والدين والثقافة والاعراق والاعتماد على النفط، فلماذا تقدم المتأخر وتأخر المتقدم؟!
يصل هؤلاء المحللون الى نتيجة يرونها منطقية، وهي في ظل التشابه او التطابق السالف ذكره ووجود فارق وحيد هو الممارسة الديموقراطية في الكويت – والبحرين – التي ابتدأت قبل نصف قرن، وهي ان تلك الممارسة السياسية هي وحدها سبب تخلف وتراجع الكويت كونها غلت ايدينا في عمليات الاعمار والتنمية والتطور، بينما بقيت ايدي الجيران طليقة، فأين الحقيقة في ذلك القول الشائع؟!
اعتقد ان التجربة الديموقراطية لو لم تبدأ في الكويت لبقينا على تخلفنا النسبي عن دول الخليج الاخرى لاسباب عدة منها: اننا حصلنا على استقلالنا في بداية الستينيات وهو زمن علو ونهوض الاشتراكية العربية والعالمية بقيادة عبدالناصر والاتحاد السوفييتي مما جعلنا نستورد كثيراً من الافكار والانظمة المتخلفة منهم والتي تقوم على مفهوم الدولة الريعية وتمنع العقاب والثواب وتقضي على الابداع والابتكار في وقت استقلت فيه دول الخليج الاخرى في السبعينيات، اي بعد انحسار تلك التوجهات المدمرة وفي وقت حافظت فيه السعودية على صداقتها المميزة مع الدول الغربية المتقدمة مستوردة كثيرا من انظمتها منها ومبتعدة بالمقابل عن الدول الاشتراكية والماركسية.
لقد تخلت منظومة الدول الاشتراكية وعلى رأسها دول حلف وارسو عن تلك الافكار المعرقلة للتنمية، ومثلها مصر، بينما اصبحنا ومازلنا نجذرها مع كل اقتراح نيابي ريعي غير مسؤول يقدم – وما اكثرها هذه الايام – فاجتمع علينا ما لم تعان منه دول الجيران، اي بيروقراطية الديموقراطية وشيوع الافكار الاشتراكية.
وهناك ثقافة سالبة متوارثة في الكويت – وحتى لبنان – تسببت في قلة الانجاز، ولا يوجد لها مثيل في دول الخليج الاخرى، وهي حدة الجدل ووفرة الصراع السياسي بين الكتل المختلفة وعدم مناعتها لتوقف اعمال التنمية في البلد في انتظار انتهاء تلك الصراعات التي لا تنتهي وتلك الثقافة، ومعها ثقافة التشكيك في كل مشروع حكومي هي امور مترسخة في الاذهان ولا علاقة لها بوجود الديموقراطية من عدمه.
في الخلاصة:
سبب تخلف الكويت عن جاراتها يجب الا يحصر في التجربة الديموقراطية بل ان القضية اكبر من ذلك بكثير، وتستحق المناقشة العاقلة لها لدعم الصحيح وتصحيح الخطأ.
آخر محطة:
من غريب ما نراه في الكويت – ومثلها لبنان – ومما لا نرى مثله في دول الخليج الاخرى دعوى تفشي الفساد المالي والاداري الشديد في البلدين رغم وجود اجهزة رقابية لا توجد لدى الآخرين، ونعني البرلمانات والصحافة الحرة واستقلالية القضاء ودواوين المحاسبة، فماذا كان سيحدث لو لم تكن تلك الاجهزة الرقابية موجودة؟ اي هل سيزيد الفساد ام سيقل؟