سامي النصف

مقالات وحكايات مع الغزو

لا أعتقد ان أحدا ينسى قط أين كان إبان زلزال 2/8 أو الأصح «تاريخيا» زلزال 1/8، حيث ثبت ان عملية الغزو قد تمت كما يذكر الصديق المختص عبدالكريم الغربللي الساعة 11 مساء يوم الاربعاء 1/8 عندما عبرت القوات الصدامية الحدود ودنست تراب الكويت الطاهر، الا ان المواطنين لم يشعروا بالغزو إلا صباح اليوم التالي عندما هموا بالذهاب الى أعمالهم.

حكايتي مع الغزو لم تبدأ ليلة 2/8/1990 عندما حلقت بآخر طائرة كويتية تقلع من الكويت، بل قبل ذلك بكثير، عندما طالبت في مقال منشور بـ «الأنباء» بتواجد القوات الأميركية على ارضنا إبان معارك الفاو القريبة من الحدود كي تحمي الكويت، كما تحمي بوارجها آنذاك ناقلات ومصادر رزق البلاد نظرا لصغر حجمنا مقارنة بالجارين المتصارعين بالقرب منا، ولم أهتم حينها لما يقوله من تمتد ولاءاتهم غير الوطنية لخارج البلاد، ولو احضرنا تلك القوات إبان حرب الخليج الاولى لما حدثت الحرب الثانية.

وفي وقت كان فيه التيار الجارف في البلاد داعما لصدام ألحقت المقال السابق بمقال اسميته «نحن والأشقاء» قلت فيه ان عدم قبول العراق بتخطيط الحدود معنا ابان حربه القائمة مع ايران رغم حاجته الشديدة لنا ومشاهدته بالعين المجردة لما نعانيه بسبب ذلك الموقف من اعتداءات وتعديات يعني انهم لن يقوموا بحل ذلك الإشكال بعد انتهاء الحرب وانتفاء تلك الحاجة، وضربت مثالا بعدم صحة «الدفع المقدم» في السياسة بما حدث مع الرئيس السادات عندما أخرج الروس ثم طالب بالثمن لاحقا فلم يحصل على شيء، نتج عن ذلك انني كنت من الصحافيين القلائل الذين لم توجه لهم الدعوة قط لزيارة بغداد او مهرجان المربد او حتى حفلات السفارة الصدامية وملحقها الاعلامي الشهير حامد الملا.

ومقال ثالث سلمته باليد بعد وصولي من لندن يوم الاحد 29/7/1990 حذرت فيه من سيناريو الغزو الكامل على معطى ما كتبه كبير مراسلي «الصنداي تلغراف» باتريك بيشوب من الكويت والذي تحدث فيه عن اجتياح عراقي غير محدود للكويت يتلوه نزوح شعبي للسعودية وان العالم لن يتحرك لوقف ذلك الغزو، وقد بينت في المقال الذي منعه الرقيب بحجة سياسة التهدئة مع العراق ان تصدير تلك الصحيفة واسعة النفوذ في العالم والتي من ملاكها هنري كيسنغر ولورد كارينغتون، كاتب القرار 242 الشهير، لأخبار التهديدات الصدامية للكويت يعني الكثير ويحتاج للتوقف عنده.

لقد كانت احد امراض مجتمعنا الخطيرة في مرحلة ما قبل اغسطس عام 1990 حقيقة تسيّد الولاء السياسي الى «ما فوق الوطن» اي تقديم مصلحة الخارج على مصلحة الكويت وهو ما شكل عامل ضغط كبيرا منع قرار الاستعانة بالقوات الدولية لحماية الكويت، أما بعد التحرير فقد اضيف للأسف الشديد لولاء «ما فوق الوطن» ولاء «ما تحت الوطن» اي تقديم الولاءات الصغيرة كالعائلية والقبلية والطائفية على الولاء للوطن والوطنية، ومن يقول اننا استفدنا حقا من زلزال عام 1990؟!

آخر محطة:
بمناسبة 2/8 الحزين نتقدم لأهل الشهداء بالعزاء الحار، وللحلفاء والأشقاء في السعودية ودول الخليج ومصر وسورية والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وباقي دول التحالف بالشكر والامتنان الشديدين، ونقول ان الشعب الكويتي الطيب على الود باق ولن ينسى قط ما عملتموه لنا في عامنا ذاك وما بعده، ولا تؤاخذونا بما تفعله وتقوله القلة القليلة من السفهاء من قومنا، فلو كان لهم ولاء حقيقي للوطن او مروءة ذاتية او حتى عقول لشرهنا عليهم، الا انهم دون ذلك بكثير.. للأسف!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *