رغم ان أفلام الأبيض والأسود تظهر ان الإخوة المصريين معتادون على استخدام الشرفة أو البلكونة منذ عقود من الزمن بعكس الانجليز ممن لم يعتادوا الجلوس في الشرفات بسبب الأنواء الجوية السائدة أغلب العام، إلا أنه من المستغرب تكرار سقوط الشخصيات العامة المصرية دون غيرها (الليثي ناصف، سعاد حسني، أشرف مروان) وتحديدا من هو بصدد كتابة مذكراته، من الشرفات في لندن، علما انني لم اقرأ قط خبر سقوط شخصية عامة مصرية من البلكونة في مصر، قد يكون السبب المنطقي هو الأمطار الغزيرة التي تسبب الزحلقة ثم السقوط من أعلى، والله أعلم.
تتفق الأخبار على أن أشرف مروان صهر الرئيس عبدالناصر قد أصبح عميلا للموساد منذ الستينيات وانه كان يفضل السادات على حماه عبدالناصر (يستحق الأمر اعادة التحقيق في موت عبدالناصر) وما هو متفق عليه كذلك ان اشرف الذي سقط من الشرفة قد اخبر اسرائيل بموعد حرب اكتوبر قبل ايام من وقوعها، وقد حاول البعض القول بخبث او سذاجة انه خدعهم كونه حدد الساعة السادسة مساء 6/10 للحرب بينما قامت في الساعة الثانية ظهرا وكنت قد اشرت في مقال عن حرب اكتوبر 73 قبل مدة لحقيقة ان الاسرائيليين قد علموا بموعد الحرب قبل 40 ساعة من حدوثها ومن ثم لا يوجد عنصر مفاجأة فيها، مما يعتبر اضافة للانتصار المصري الباهر.
حاول البعض جعل ذلك الافشاء الخطير يصب في صالح اشرف مروان واعتباره عميلا مزدوجا خدع اسرائيل والحقيقة عكس ذلك تماما ففي العودة لمذكرات ايلي زعيرا رئيس المخابرات الاسرائيلية عام 73 نجده يذكر نصا بألا فائدة من التسريب المبكر لموعد الحرب كالقول انها ستحدث خلال عامين لعدم جدوى ذلك الأمر، كما لا جدوى من تسريب متأخر يقول ان الحرب ستحدث خلال ساعتين فقصر المدة لا يؤهل لاستدعاء الاحتياط، لذا فالتسريب المخابراتي الأمثل – حسب قوله – هو الذي يتم قبل يومين او ثلاثة من التاريخ المحدد للحرب وهو تماما ما وفـره صهـــر الزعيــم الخالــد ولا يضير اسرائيل في هذا السياق على الاطلاق بعد ان علمت واستعدت ان تحدث الحرب في الساعة السادسة او قبلها بأربع ساعات.
ومما يقوله ايلي زعيرا في مذكراته ان خطة الحرب وصلتهم بالتمام والكمال في سبتمبر 72، كما ان العميل الذي لقبه زعيرا بـ «النبع» لوفرة معلوماته وهو للعلم ملك عربي زارهم وأخبرهم في نهاية سبتمبر 73 بحدوث الحرب خلال الايام العشرة المقبلة، اما العميل الملقــب بـ «الصهر» اي مروان فقد حددها بدقة، كما يذكر ابراهام رابيونو الذي درس لمدة عشر سنوات وثائق الموساد، وقد تحدثت بعض الصحف الاسرائيلية عن تسريبات دقيقة لموعد الحرب كذلك من العميل «بابل» الذي يعتقد بعض العرب انه الاسم الحركي لأشرف مروان وأرى انه اسم حركي اقرب للمقبور صدام حيث لا علاقة بين مسمى بابل العراقي ومروان المصري.
وقد بدأ العميل المجتهد اشرف مروان عمله براتب 6 جنيهات في جهاز المعلومات التابع للرئيس عبدالناصر الذي يرأسه عميل المخابرات الروسية سامي شرف (خوش مكتب وخوش شرف) وانتهى مروان بثروة حالية تفوق 1.3 مليار دولار، وقد اشتهر «الصهر» بتجارة السلاح وصداقته – كحال العميل الاسرائيلي ابونضال – بالقذافي والمقبور صدام، كما تضمه علاقة مصاهرة لصيقة مع امين عام الجامعة العربية السفير عمرو موسى وصداقة حميمة مع الكاتب محمد حسنين هيكل، وفي مثل هذا تقول الراحلة ماري منيب «آمان يا ربي آمان»!
آخر محطة:
يخبرني وزير كويتي سابق فاضل انه التقى الرئيس السادات عام 74 الذي طلب منه ان تقوم الكويت بتمويل صفقة لشراء طائرات بوينغ لشركة الطيران المصرية، يقول وعدته خيرا وعدت لفندق هيلتون النيل استعدادا للنوم وعندها سمعت طرقا على الباب وعندما فتحته وجدت شابا عرفني بنفسه على انه اشرف مروان ممثل (….) ويود الحديث عن عمولات الصفقة، يقول العم الفاضل: طردته من عند الباب شر طردة.