المنطقة على شفا انهيار كامل لبعض دولها وقيام عدة حروب أهلية وخارجية لدول أخرى، وما سيتبعها من عمليات نزوح ضخمة تجاه الجوار، اضافة الى احتمالات حدوث انهيارات اقتصادية وافلاسات لدول ثالثة، لذا تقتضي الحكمة خلق حالة هدوء سياسي داخلي يبتعد عن التوتر والاستجوابات والمطالبات غير العقلانية لصالح علاقة حميمية، وكم أكبر من التشاور بين الحكومة والكتل السياسية والمستقلين، فهذا ما يطلبه الشعب الكويتي قاطبة حتى لا تأخذنا الاحداث الجسام على غرة.
«الوسطية» وان بدأت كخيار لمحاربة الارهاب، الا أنها تحولت الى قرار حكيم يجب أن نلتزم به جميعا وقاية لبلدنا من الاحتراق وسط منطقة ملتهبة لا يهدم دولها التعدد الديني والمذهبي والعرقي، بل التعصب المقيت لتلك الفروقات الطبيعية التي لا يخلو منها مجتمع من المجتمعات الحية.
وسط ضجيج عالي الصوت في البلد يبدو أن البعض نسي تماما مشروع تحول الكويت الى مركز مالي دولي كبديل استراتيجي لعوائد النفط، وهو الخيار الذي نخبئه لأجيالنا المستقبلية، دلالة هذا النسيان المطالبات الساخنة بإضاعة الاموال وإهدار الفرصة التاريخية على قضايا الدغدغة بدلا من صرفها على مشاريع البنى التحتية التي تنفع الجميع ومثل التزامنا بقرارات غير مدروسة تقتل النشاط الاقتصادي وتضر بمئات الآلاف.
وفي هذا السياق لا يمكن في أميركا تعيين مسؤول لوكالة ناسا لأبحاث الفضاء معروف عنه نظرته السالبة لتلك الابحاث ونشاطات العالمين بها، ان التجارة هي بديل النفط والواجب أن يكون مسؤولوها والقائمون عليها من أبنائها، ومن لا يتخذ قراراً أو يصدر قانونا إلا بعد التشاور مع أهل القطاع المعني وهو أمر يجب أن يعمم كذلك على جميع القطاعات الاخرى، حيث اختصصنا في الكويت بعدم مشورة المعنيين في القضايا التي تهمهم وتؤثر على قطاعاتهم.
تكرر لدينا إصدار قرارات مستعجلة ودون مشورة أهل الشأن مما يحوجنا في نهاية الامر الى العودة عنها وتلك العودة خير من التمادي بالخطأ والاصرار عليه للحقيقة الثابتة القائلة «ان خطأين لا يعملان صحا واحدا»، واذا كان من المآسي أن نصدر قرارا أو تشريعا دون دراسة متمحصة، فإن الالتزام بذلك القرار حتى لو دمرنا اقتصاد بلدنا وأضررنا بالآلاف من مواطنينا هو الكارثة بعينها.
أخيرا يذكر لي الصديق عبدالرسول أبوالحسن قصة تظهر كيفية التعامل بحكمة مع القرار الخاطئ في السابق، فيقول انه ابان تسلمه رئاسة مجلس ادارة بنك برقان وجد أن القانون ينص على ضرورة ارساله رسالة «مسجلة» لكل مساهم لحضور الجمعية العمومية، وقد رأى استحالة ذلك الأمر لوجود ما يقارب المائة ألف مساهم نصفهم لا يملكون عناوين واضحة، اضافة الى الكلفة المالية الضخمة لمثل تلك الدعوة، يقول ذهبت لوزير المالية آنذاك العم عبدالرحمن العتيقي وشرحت له خطأ القانون، فسألني ما الحل؟ قلت له استبدال ذلك المطلب بإعلان تنشره الصحافة، فقال توكل على الله ومر فقط على الفتوى والتشريع للتأكد من صحة القرار الجديد قبل اصداره وهو ما تم.
ان استخدام الدواء الأكثر ضررا من المرض أمر لا حكمة فيه حاله حال عدم حكمة الفرح والافتخار بنجاح العملية مادام الأمر انتهى بموت المريض الذي قصد من العملية في الأساس إنقاذه وإسعاده، وما أكثر موتى العمليات الناجحة التي نفتخر بها في بلدنا!