لم يكن للشهيد رفيق الحريري ميليشيات تضرب وتدمر وتخرب لبنان، بل كانت الميليشيا الوحيدة التي يملكها هي 30 الف طالب لبناني من جميع الديانات والطوائف، رفعهم من مستنقع الاقتتال الطائفي الى محاريب العلم والدراسة والتقدم.
وقد استطاع الشهيد الحريري ان يواصل ليلا ونهارا حتى اوقف الحرب التي اشعلها واستمر بها الآخرون عبر عقد مؤتمر الطائف الذي استطاع من خلاله اقناع المسيحيين الموارنة بالتنازل عن بعض صلاحيات رئيس الجمهورية المطلقة لصالح مجلس الوزراء على ان يمنحوا حق الثلث المعطل الذي يضمن الا تنفرد احدى الديانتين الرئيسيتين الاسلام او المسيحية بالقرار في المجلس.
وقد بدأت مظلمة الشهيد رفيق الحريري حيا عند دأب بعض لوردات الحروب ممن دمروا لبنان على التساؤل وبراءة الاطفال في أعينهم والدماء تقطر من أيديهم عن مبررات الدين العام، ناسين او متناسين ان السائل لا المسؤول هو المسؤول عن ذلك الدين، فكيف يتم ارجاع لبنان لسابق عهده دون اقتراض الاموال للتعمير؟
ثم استكمل ظلمه ميتا عبر العمليات الهادفة لحماية من قتله عبر تعطيل اجراءات المحكمة الدولية التي يريد البعض منها ان تمنح صكوك البراءة للقتلة قبل ان تبدأ مداولاتها الاولى.
وبالمقابل، لم يكتف الشهيد الحريري بوقف الحرب وتعمير لبنان حيا وجعله بلد 7 نجوم، حيث بدأت المليارات تدخل للبناء، مما اوصل بيروت لمصاف اجمل عواصم المنطقة قاطبة، بل ارخت روح الشهيد الحريري بظلها على مؤتمر «باريس ـ 3»، فأحيته وجعلته يجزل العطاء لبلده، والذي هو ـ اي المؤتمر ـ من بنات افكار الشهيد العظيم الذي خلقه لدعم تعمير واحياء لبنان النور والضياء، امام قوى الظلام التي تود تدمير لبنان وقتله، وقد قاربت على النجاح في ذلك المسعى السيئ بعد ان هرب منه السواح والمستثمرون الذين هم بمثابة بتروله وشريان حياته الوحيد.
وللمعلومة، فالثناء على عدم تدخل الجيش في عمليات قطع الطرق واغلاق المطار امر لا حكمة فيه، فلم تحدث الحرب الاهلية المدمرة عام 1975 الا بعد ان حيدت حكومة رشيد الصلح آنذاك الجيش ارضاء لقوى المعارضة وامرته بعدم التدخل فيما يجري حفاظا عليه (!) والتساؤل الحق هو لأي امر تتم المحافظة على الجيش اذا لم يكن لمنع الاضطرابات (لا الاضرابات) وقتال الشوارع الذي هو عادة المقدمة الطبيعية للحروب الاهلية؟!
لمعرفة ما يجري في لبنان، قرأت بالامس ما كتب في جريدة موالية للحكم وجريدتين للمعارضة، ففي «المستقبل» خبر عن القبض على قناصة في المدينة الرياضية يطلقون النار على الناس لتثويرهم، وقد اتضح انهم ينتمون لدولة عربية مجاورة، في جريدة «السفير» المعارضة تكتب جهينة خالدية تفاصيل ما حدث بعد الخناقة الفردية داخل الجامعة، حيث تقول ان باصات وفانات احضرت العشرات من شبان المعارضة ممن يلبسون الخوذات ومعهم عصي كالعصي التي استخدمت في يوم اضراب الثلاثاء الدامي لتشتعل المعركة وتخرج من حرم الجامعة الى الشوارع المحيطة، وفي جريدة «الديار» المعارضة مقال لفؤاد ابوزيد يقارن فيه بين ما حدث في الاضراب العام لعام 1952، حيث لم يحرق، حسب قوله، المضربون الدواليب ولم يطوقوا العاصمة ولم يتسببوا باغلاق المطار ولم يهددوا من لم يضرب بحياته ورزقه ولم يضربوه او يحرقوا سيارته، وبين الدمار الذي يحدث هذه الايام.