عندما يقوم رجال الأمن والمصلحون بنشر خطة للقضاء على تجار المخدرات أو التطرف فإن أهم ما يرصدونه هو رد الفعل السريع لمن ينشر تلك الأمور المدمرة والسالبة في المجتمع، فإن ثاروا واحتجوا عرف المرسلون صحة توجههم كونه أوجع من يقومون به، وإن سكت هؤلاء فالسكوت علامة الرضا وواجب القائمين على المشروع ان يعيدوا النظر في خططهم كونها تلقى هوى في نفوس المخربين.
وقد أصابت ورقة وزارة الإعلام التي نشرت قبل أيام كبد الحقيقة عندما تحدثت عن ثقافة سالبة سائدة في المجتمع تبتعد عن الموضوعية والعقلانية والواقعية المطلوبة، يهدف مروجوها للقول للشباب ان الدنيا ظلام في ظلام وظلم بظلم فكل مشروع انمائي للبلد هو مشروع سرقة وكل قرار يصدر يقصد منه تنفيع المسؤولين لا إفادة الوطن ورفاه المواطن.
والحقيقة ان تلك الثقافة السالبة أقرب في ترويجها لما يحدث عند تجار المخدرات حيث يسوقون سلعتهم الفاسدة لدى الشباب ممن يدمنون عليها ومن ثم لا يستطيعون الفكاك منها إلا عبر التوعية والتوقف عنها، ان هناك من أدمن نشر ثقافة التوتر والسلب واصبح لديه زبائن لا يستطيعون التوقف عن أخذ جرعة التوتر والسلب التي يقدمها لهم عبر المقال كل صباح ولا علاج لهذه الظاهرة المدمرة إلا اعتزال المروجين وشفاء المدمنين.
وقد استفاد من تلك الثقافة السالبة المدمرة المروجون لها دون النظر لمصلحة الوطن ومستقبل أبنائه، فبعض الساسة، وفي غياب الرأي الآخر، وجدوا بها سبيلا للانتخاب واعادة الانتخاب، فالبلد فساد مطلق وهم أبطال التصدي له ودون ذلك الطرح السهل المدغدغ يصبح لا سبيل للنجاح الانتخابي إلا التقدم بالأفكار والأعمال البناءة الموجبة والمشاركة في اللجان وهو أمر لا يفضلونه لصعوبته.
كما رأى بها بعض الكتاب أداة للتسويق الرخيص للمقال المدغدغ في مجتمعات عالم ثالث سهل الإثارة والخداع، فما عليك كل صباح إلا أن تبحث عن قرار أو مشروع حكومي ينفع الناس فتنقده بشدة وتشكك به في محاولة لإسقاطه حتى لو أضير من ذلك الفعل الوطن والمواطنون لحساب بطولات زائفة لصاحب المقال الذي لا يعلم تبعات ما خطه ولا حقيقة ان الدور الحقيقي لقادة الرأي من الكتاب لا الاكتفاء بنقد السلب بل نشر القيم الموجبة في المجتمع واشاعة روح التفاؤل لا التحريض والتثوير الدائم وافشاء حالة اليأس القاتلة لدى الشباب.
فهل يعقل ألا يرصد بعض الكتاب خلال مسيرتهم الطويلة جدا حالة موجبة واحدة في البلد تستحق الإشادة بها؟!
ألا يوجد عبر تلك العقود التي عاشوها من الزمن مسؤول نظيف واحد يستحق الإشادة به في المقال وترويجه كقدوة صالحة للأجيال الصاعدة، أو بالمقابل مشروع قامت به الدولة يستحق الثناء؟!
لقد تناوبت على شؤون الدولة منذ بدأوا الكتابة عشرات الحكومات الليبرالية والإسلامية والمستقلة ومئات المسؤولين ممن كان منهم أقرب الناس لهم بل وعلى خطهم السياسي ومع ذلك لم نقرأ ثناء أو مدحا قط بل نقدا بنقد وتسويدا بتسويد، فأي دولة ملعونة تلك التي لا يوجد بين ظهرانيها وعبر نصف قرن إلا فاسدون يتبعهم فاسدون ومشاريع خراب يتولد عنها المزيد من الخراب؟!
إن دولة كهذه تدينهم قبل غيرهم فهم في النهاية من نسيج هذا المجتمع فإن كان فاسدا وملعونا فماذا يكونون هم إذن؟!
آخر محطة:
العزاء الحار لآل الشايع الكرام على فقيد الكويت الكبير العم صالح الشايع، للفقيد الرحمة والمغفرة ولأهله وأصدقائه ومحبيه الصبر والسلوان.