أ.د. محمد عبدالمحسن المقاطع

الكويت ولّادة

من رحم المعاناة تولد الطاقات، فالكويت دائما ولّادة مهما ظننا أنها شاخت أو نال منها الهجر أو الجفاء أو التآمر، فهي قلب ينبض بالحياة، وتتدفق في عروقها دماء متجددة، لم يعجزها فقرها في الماضي، ولم يذهب همتها ألم الغدر والغزو والخيانة، ولم يرهبها تآمر الأصدقاء والأشقاء، ولم ينسها رغد العيش وبحبوحة الرزق طيب معدنها ولا عطائها المميز، ولم تضيّع في دهاليز الحضارة هويتها، ولا أصالة معدنها، ولم يغب عن بالها أن التعثر هو مسلك في المضي نحو النهوض، نعم هي مثقلة بتراجعات متعددة وإخفاقات متتالية، وغالبا بحكومات عاجزة، وبمجالس أمة لاهية، بعض من فيها لم يعد وطنهم همهم، فتنكروا له وتسابقوا للاقتيات عليه، وهكذا سادت عبارات الإحباط، وترسخت شعارات قتل الهمم، وهناك من يردد ذلك بحسرة وغصة وألم، وهناك من يتغنى بذلك ويغذيه ويزيده ترسيخا، وكأنه يعزف نغما، والكل يردد:
«شعب مترف، شعب بلا هدف، شعب مدلل، شعب ينتظر من يخدمه..»، وغيرها من العبارات،
وقد صُمّت أسماعنا بهذه الكلمات، سواء كانت غبطة او استهزاء أو حسرة.

لكن ما ينبغي أن نؤمن به ونعول عليه أنه من رحم تلك المعاناة تولد الطاقات وتتجدد، ولذا فنحن نقول إنه شعب ابدع بالافكار والتنمية، شعب يبهر العالم باصراراته رغم صغره، شعب وقف ضد الظلم والغزو، شعب لديه القدرة على التغيير والإصلاح، شعب مثقف، شعب يعايش ويعيش ويخلق لنفسه الفرص المواتية، شعب اصبح يتفاخر بأبنائه وطاقاتهم.
إن حياة الأمم والشعوب دول وتحولات تتبدل أحوالها وتتغير أوضاعها، فما كان مستحيلا صار واقعا، وما كان صعبا سطرته إنجازات، ولندرك أن استحقاقات التغيير لا تعرفها إلا الشعوب الحية، وفي مقدمتها الشباب، فهم اليوم عوامل النهوض ومكمن القوة، فكلنا امل بقدراتكم وصنع التغيير.
فما نريده اليوم نوايا صادقة والتفافا حول هموم الوطن وقضاياه، لا يهمنا أشخاص لا تدرك أبصارهم سوى مصالحهم الشخصية، وعقولهم تقف عند حدود النزاع والجدل والاختلاف، ويحسنون التحريض والاصطفافات التي تشبع نفوسهم المريضة، وهم يَرَوْن وطنهم يتمزق، فاركنوهم أيها الشباب وضعوهم على هامش الحياة والتاريخ، فالكويت الولّادة عطشى لافكاركم الابداعية وطاقاتكم الخلاقة، وليست بحاجة لخطب رنانة ولا شعارات طنانة، وإنما لسواعد مشمرة للتنفيذ وباصرار، وهذا ما نأمل ان نلمسه في الدماء الجديدة الشابة التي تشع بالعزيمة والطاقة والابداع والتفاني بحب الوطن، بعيدا عن المغانم السريعة والمطامح الشخصية، ولتعلموا أنكم توارثتم قيما حملها رجال حلموا بوطن جميل متألق، وكان تفانيهم وعطاؤهم للوطن منبعه عشق وحب حقيقي لهذا البلد الذي آمنت بهم قلوبهم، وحمل همه صدورهم، وشيدته سواعدهم، فكان أجمل بلد اسمه «الكويت»، ورعته وحدتهم وتلاحمهم، وعلمونا أن حب الوطن لا يقف عند جيل محدد، ولا تقيده حدود، ولا تحول دونه معوقات ما دامت النوايا صادقة.
فوطننا الولّاد يستنجد بنا وقد رانت على صفحته كل ألوان الفساد وشوهت وجهه ابتسامات صفراء تضحك عليه، وهي تقتسمه، فهل ننتظر لحظة نصبح فيها فلا نجد وطنا أو نجده مفلسا كسيرا، وهو ما يتطلب أن نعقد العزم والعزيمة على إمضاء التغيير وإحداث النقلة وإعادة الوطن لسابق عهده بسواعد شابة متجددة خلاقة، تحقق المعجزة، وتؤكد أن الكويت ولّادة، وهي كذلك دائما وأبدا مهما طالت ظلمة الليل، والانتخابات الحالية هي مرحلة لإحداث التغيير وفرض إرادة الحياة لبلد نحلم بعودته إلى ما كان عليه.

آخر مقالات الكاتب:

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *