د.علي يوسف السند

ماذا تعني المشاركة؟

لا أميل إلى القول إن المشاركة في الانتخابات المقبلة ستمنح مشروعية سياسية وشعبية للصوت الواحد؛ وذلك لأن الحكومة كانت تبحث عن تلك المشروعية في البداية. أما الآن، فلم تعد هذه القضية محل اهتمام كبير بالنسبة لها، بعد أن فرضت الصوت الواحد كأمر واقع وبكل الوسائل، رغم حجم السخط والغضب حتى من الذين شاركوا. لذلك، فإن الحديث عن خطورة المشاركة غير محصور في زاوية منح المشروعية، وإنما يتجاوزها إلى أمور قد تكون أعمق ضرراً، وأوقع خطراً!
عودة المقاطعين للمشاركة تعني الإقرار بأن الحكومة استطاعت أن تلوي ذراع المعارضة بأساليبها المتنوعة. وبالتالي، فإن الرسالة الضمنية، التي نجحت الحكومة في انتزاعها من المعارضة بشكل غير مباشر، هي أنه كلما ارتفع سقف المطالبات، واحتدت لغة الخطاب، فعلى الحكومة استعمال ذات الأسلحة الموجعة، وستجد المعارضة قد تخلت عن حدتها، وخفّضت سقف مطالباتها، وقبلت بالعودة إلى الملعب والقواعد التي ترسمها الحكومة، وبذلك تكون المشاركة قد منحت تلك الأسلحة اعترافاً بفاعليتها وقوتها.
المشاركة تعني أن التيارات السياسية لا تملك نفساً طويلاً للسير في طريق الإصلاح الحقيقي، الذي يتطلب تضحية وصبراً، وأنها لا تقوى على البقاء خارج الهامش الضيق، الذي رسمته الحكومة، والمتمثل في ساحة البرلمان، الذي تحكم الحكومة هيمنتها عليه غالباً، فالبرلمان المنزوع المخالب يبقى هو الملعب، الذي لا يمكن التفكير في تغييره أو حتى تطويره تطويراً جاداً.. ومن يفكر في ذلك، سيجد نفسه خارج اللعبة معزولاً، تمارس عليه كل أنواع الضغوط للعودة إلى لعبة محسومة النتائج.
العودة إلى المشاركة بذات الطريقة السابقة تعني منح الحكومة فرصة جديدة لممارسة ذات الأساليب، التي ما زالت تجيدها منذ أكثر من نصف قرن، واستمرار المعارضة بممارسة ذات الأدوار السابقة التي لم توصلنا إلى شيء، والتموضع في المكان الذي تريد الحكومة منها أن تبقى فيه إلى الأبد، وبلاشك في أن جميع ذلك سيكون على حساب الإصلاح الحقيقي الذي ربما تكون المشاركة سبباً في إطالة أمده.
إذا كانت المجالس السابقة ــ التي كانت تتمتع بحضور قوي للمعارضة ــ لم تستطع أن تمارس الدور المطلوب منها، فغالباً سيكون مجلس الصوت الواحد المقبل أكثر عجزاً وضعفاً، حيث لا توجد أي مؤشرات باتجاه تخلي الحكومة عن نهجها السابق، أو امتلاك المشاركين أدوات جديدة فاعلة قد تقلب الموازين. لذلك، فإن المجلس المقبل غالباً لن يكون أكثر من نسخة رديئة من المجالس السابقة، وسيعود الناس بعد فترة بسيطة من وضع صوتهم الوحيد في الصندوق إلى الشكوى والتذمر..
أتمنى أن أكون مخطئاً!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

د.علي يوسف السند

دكتوراه فلسفة إسلامية – بكالوريوس شريعة – عضو هيئة تدريس/الدراسات الإسلامية – إعلامي وكاتب صحفي
twitter: @al_snd

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *