تاريخنا الكويتي غير مكتوب، وهو أمر خطير جدا يمكن أن يستغله أي أفّاق أو طاغية مستقبلا ليدعي ما يريد كما هو الحال مع صدام حسين، لذا فأجمل ما يمكن أن يعمله أي مراقب للشأن العام هو أن يسجل مذكراته وذكرياته على أشرطة ثم يحيلها إلى كتب في الوقت الذي يراه مناسبا، وما نرجوه في هذا السياق هو ألا يعتمد فقط على الذاكرة التي تخون، بل تكليف من يقوم بالتحقق من المعلومات الواردة فيه، حيث تدون المعلومات هذه الأيام بشكل آلي على مواقع الإنترنت ومراكز البحث العالمية مثل غوغل ومن ثم يمكن لها أن تضلل الباحثين.
مما أورده العم برجس حمود البرجس في كتاب ذكرياته القيم «السدرة» عن مساهمته في نقل وصية شهداء ساحة أم الطبول ونعني ناظم الطبقجلي ورفعت الحاج سري ورفاقهما والتي هربت من العراق للكويت بقوارب الخشب حتى تبللت بالماء ثم قام بتجفيفها العم جاسم القطامي ونقلت بعد ذلك لدمشق والقاهرة، حيث أذيعت من راديو صوت العرب وساهمت بدق المسمار الأول في نعش وعرش الطاغية عبدالكريم قاسم وابن خالته فاضل عباس المهداوي (أبناء الشقيقتين كيفية وعكاب حسن يعقوب الساكني بعكس ما هو وارد في «WIKIPEDIA» من أن المهداوي ابن أخت قاسم.
مع انقضاء الأيام الأولى لانقلاب 14 تموز 1958 الدموي في العراق قام خلاف حاد بين القوميين المؤيدين لعبدالسلام عارف والشيوعيين المؤيدين لعبدالكريم قاسم، وفي مارس 1959 قررت القوى الشيوعية عقد مؤتمرها في الموصل عقر دار القوى القومية فتوترت الأجواء وقرر قائد حامية الموصل عبدالوهاب الشواف، إعلان الثورة وأذاع محمود الدرة أن الطبقجلي ورفعت الحاج سري أعلنا تأييدهما لها طمعا في حشد التأييد لقائدها الشواف، ولم يكن ذلك الأمر حقيقيا، ولحق ذلك قيام الشيوعيين بمذابح وعمليات سحل وقتل تخجل منها الإنسانية بحق القوميين وظهرت الصور الدامية في الصحافة العالمية.
قام العقيد فاضل عباس المهداوي بمحاكمة الطبقجلي ورفعت ورفاقهما وقد أحضر بعضهم محمولا على النقالة من كثرة التعذيب في معتقل الدبابات، وقد صدر حكم الإعدام بحقهم بأغلبية 3 ضد 2 مما لا يوجب التنفيذ، وأرسل مرجعا النجف الأشرف السيدان محسن الحكيم وعبدالكريم الجزائري في 15/9/1959 رسالة يطالبان فيها بالصفح والعفو عن الطبقجلي لما يتمتع به من مكانة في نفوس الناس وماض مجيد، ورفض الطبقجلي رفع عريضة استرحام لقاسم كي يعفو عنه كما رفض الأخير التوقيع على الحكم لولا تحريض المهداوي وماجد أمين وإلحاح الزعيم سعدي القرغولي فوقعها عبدالكريم قاسم وهو يقول.. تمام سعدي تمام.
اغتسل الطبقجلي ليلة إعدامه وكتب وصيته التي وصلت للكويت ومنها للعالم ومن ضمنها أن يقرأ على قبره في الأعظمية علماء السنّة والشيعة وفي صباح اليوم التالي قرأ عليه الإمام نجم الدين الواعظ الشهادة فهتف الطبقجلي بشعار «الله أكبر والعزة للإسلام، الله أكبر والعزة للعرب» وكانت آخر كلمات تفوّه بها الطبقجلي ورددها رفاقه الآية الكريمة (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون) قبل إطلاق الرصاص عليهم، ويذكر رفقاء قاسم أنه لم يذق النوم قط بعد قتله لشهداء ساحة أم الطبول حتى سمي بـ «الزعيم الذي لا ينام» وكان يردد حتى يوم مقتله لماذا قتلتهم.. الله يلعن الذي كان السبب.
اشتدت المظاهرات المناهضة لقاسم وكان من هوساتها «جيش العرب ماينولى يا رفعت يا الطبقجلي» و«يا بغداد ثوري ثوري خلي قاسم يلحق نوري» واضطر قاسم تحت الضغط أن يحيل الشيوعيين الذين قاموا بمذابح الموصل للمحاكم وقد قام بعضهم بالهرب للكويت والسكن في منطقة «عشيرج» النائية قرب منطقة الدوحة، فظهرت هوسات تحرض المهداوي والنظام ضد الشيوعيين وتقول «تقدم يا المهداوي تقدم، عشيرج قطعة من السوفييت» للدلالة على تكاثر الشيوعيين في عشيرج، وهوسات العراقيين دائما غير شكل!
آخر محطة:
الزميل الفاضل عدنان الراشد يملك كما هائلا من المعلومات التاريخية التي يمكن تقسيمها إلى كتابين الأول عن الشأن الكويتي بحكم مراقبته ومشاركته فيه، والثاني عن الشأن العربي، ولديه كذلك كم كبير من خفايا دهاليز السياسة العربية لذا نرجو استكمال الكتابين بالسرعة الممكنة.. عفيه.