بعد تدمير الكويت سياسيا وشرخ الوحدة الوطنية عبر الممارسات العبثية التي تجري في البرلمان، بدأ البعض بالعمل الجاد لإفلاس الكويت اقتصاديا عبر مقترحات مجنونة لم يشهد لها التاريخ الإنساني مثيلا، ولم نسمع أو نر أمرا قريبا منها لدى الدول الأخرى الأكثر غنى ورفاها منا بمراحل مما يعني اننا أمام حكم إعدام مزدوج صادر بحق وطن معطاء لا يستحق قط مثل هذا التعامل الجاحد معه.
وأحد المفاهيم الاقتصادية المدمرة القائمة هو تسويق فكرة خاطئة فحواها ان المال العام هو مال الحكومة «الخاص» لذا يجب التسابق على صرفه وهدره وبدعم كامل – ويا للغرابة – ممن يفترض أن يكونوا أكثر الناس حرصا عليه، ونعني الفقراء ومحدودي الدخل من المواطنين ممن سيكونون المتضرر الأكبر من عجز الميزانية العامة وافلاس مؤسسات الدولة كالتأمينات الاجتماعية وتوقف صرف الرواتب وهي أمور كالساعة قادمة لا ريب فيها ما لم تتوقف الأغلبية الصامتة.. وتبدأ بالصراخ قبل وقوع الفأس في الرأس.
ولو قارنا راتبا وليكن ألف دينار لمواطن كويتي وآخر لأميركي أو أوروبي أو ياباني من رعايا أغنى دول العالم لوجدنا ان المواطن في تلك الدول الثرية يدفع 300 دينار من ذلك الراتب كضريبة دخل، ثم مائة لتعليم الأبناء ومائة أخرى للتأمين الصحي لعدم مجانية التعليم والصحة لديهم، ثم يدفع بعد ذلك ثمن كهرباء ووقود وماء ومواد غذائية وقروض سكن غير مدعومة من حكوماتهم مع عدم ضمان الاستمرار في الوظيفة أو الالتزام بزيادات سنوية أو تقاعد مجز كما يجري لدينا بسبب فوائض الميزانية المستهدف إتلافها وحرقها عبر المطالب المدغدغة.
أما في الكويت، المزمع نحرها من الوريد إلى الوريد، فالوظيفة مضمونة والراتب لا ضرائب عليه، والخدمات التعليمية والصحية مجانية، إضافة إلى الدعم الذي يشمل كل مناحي الحياة من المهد إلى اللحد، ومع ذلك يسعى بعض المدغدغين من النواب للتحريض بألا يدفع المواطن ما عليه تجاه البنوك وشركات الاستثمار التي اقترض منها باختياره رغم قدرته على الدفع خاصة أصحاب الرواتب المرتفعة، وقد قرر بعض النواب الأماجد تجميد 30 مليار دولار (8.5 مليارات دينار) لمدة 15 عاما كي تدفع أرباحها التي هي في النهاية عوائد للفقراء قبل الأغنياء لا لمؤسسات الدولة المودعة كالتأمينات العامة وهيئة الاستثمار وشؤون القصر.. الخ، بل لسداد ديون مقترضين مقتدرين، ومن يدريهم اننا لن نحتاج لذلك المبلغ الضخم وعوائده خلال السنوات القليلة القادمة لتسديد رواتب الموظفين فيما لو انخفض سعر النفط كما يتوقع الخبراء.
آخر محطة:
(1) يفرض القانون المجنون ان ندفع جميعا فوائد من اقترض في 14/12/2009 حتى لو كانت مئات الآلاف من الدنانير رغم انه لم يدفع فلسا واحدا من تلك الفوائد فأين العقل وأين العدل؟!
(2) الواجب على الناخبين، وخاصة محدودي الدخل منهم، المحاسبة الشديدة لنواب قوانين إفلاس الدولة كونهم المتضرر – لا المستفيد – الأكبر من تلك التشريعات غير المسبوقة في تاريخ الأمم.
(3) من أعطى نواب الأمة توكيلا عاما من 270 ألف مقترض؟! ومن أعطاهم توكيلا آخر من 730 ألف مواطن غير مقترض لحرق وهدر المال العام وإفلاس الدولة؟ ومن يقول ان مقترضا لم يبق من دينه إلا ألف أو ألفا دينار يرضى بأن تدفع الدولة عشرات المليارات من أمواله وأموال أبنائه لأجل ذلك القانون المسخ؟!
(4) شعارات الوحدة الوطنية وحب الكويت المتغنى بها كذبا وزيفا يجب أن تترجم الى عمل جاد يهدف للحفاظ على مستقبلها والتوقف عن إصدار تشريعات تنتهي بإفلاسها سريعا.
(5) الحل الحقيقي لكثير من إشكالاتنا التشريعية يكمن في تفعيل دور المحكمة الدستورية – كالحال في الديموقراطيات الأخرى – كي تسقط كل قانون أجوف وأخرق لا يراعي العدالة والمساواة والحفاظ على الثروات العامة كما تنص على ذلك مواد الدستور المتباكى عليه، فلم تعد تنفع حكاية «الأكثرية» للحفاظ على الثروات أو حتى.. الحريات العامة!