سامي النصف

عندما قارب البلد على الاحتراق

في منتصف يوليو الماضي كتبت مقالا نشرته على مدى يومي الاحد والاثنين 12 و13 يوليو (يمكن قراءته على موقع «الأنباء» عبر النقر على: مقالات أخرى للكاتب) أسميته «جذور الحرب الأهلية الكويتية» بدأته بالتذكير بأن مثقفي ومفكري الدول التي ابتليت بالحروب الأهلية في المنطقة كانوا دائما ينكرون النيران الخافية تحت الرماد ويكابرون عبر القول ان تلك الأمور تحدث فقط لدى الآخرين ولا يمكن أن تحدث أبدا لدينا.

وذكّرت بما حدث بين «الهوتو» و«التوتسي»، وان الحروب تقوم دائما على معطى «أيديولوجيا الكراهية» التي يسبقها عادة إضعاف للروح الوطنية وتعميم الحقد، وحذرت من ربط المسؤولين أسماءهم بأسماء مكروهة في المجتمع، حيث ان الكراهية ستنتقل منها الى من تدعي انها تمثله، واكملت بأن الأمر بالفعل «خطير»، كما حذرت مما يأتي في بعض محطات التلفزة، وكررت المطالبة بالتجريم السريع والمغلظ لمن يساهم في نشر «جرائم الكراهية».

ما حدث مساء أمس الأول هو تماما ما تنبأنا به وبداية خطيرة لما حذرنا منه، وقد اصاب المسؤولون بإيقاف بث بعض القنوات، كما كان جميلا ان تمثل مختلف الطوائف وشرائح المجتمع بالاعتراض والاحتجاج، وقد حان الوقت لإقرار قانون «جرائم الكراهية» الموجود مثله في جميع الدول المتقدمة والمجتمعات الآمنة المستقرة، فلا فائدة من اقرار ذلك التشريع اذا ما تأخر ووصل بعد خراب البصرة.. أو خراب البلد الواقع جنوبها.

وحتى تكتمل الصورة ونحافظ بحق على وحدتنا الوطنية ونمنع من يدغدغنا ويقتات على تفرقنا وتشرذمنا، فعلى الجميع ان يتوحد كذلك ضد من يستقصد باستجوابه واقواله الجارحة ـ كما حصل مرارا وتكرارا في الماضي ـ شريحة معينة من الوزراء النزهاء وغير المتجاوزين مقابل السكوت عن كبار المتجاوزين من غيرهم، ففي مثل ذلك العمل خرق وجرح شديد للوحدة الوطنية.

كما على الجميع ان يقف ضد دعاوى الفتنة التي تطالب البعض منا «بالتوحد» لا ضد أعداء الوطن الخارجيين أو ضد من غزانا، بل ضد شركاء الوطن في الداخل، وعلينا ان نقف جميعا ضد من يقدم انتماء ومصالح الخارج على ولاء ومصالح الداخل، ولنقف كذلك ضد من يعرقل ويوقف مشاريع التنمية في الكويت بنفَس فئوي فيساهم بقصد او بدونه في القضاء على حاضرنا وتسويد مستقبلنا.

إن علينا ان نرفع جميعا شعار «لا مجاملة بعد اليوم» بعد ان قارب البلد على الاحتراق والضياع، ولنرفع الأيدي ضد المتجاوزين ومن يتعامل مع الكويت على أنها بلد زائل سريعا ومحطة وقود تعبأ منها الجيوب قبل الرحيل الأخير، اننا امام منعطف تاريخي ومفترق طرق حرج مرت به أمم أخرى، فإما أن نصحو ونعي ونغير خارطة البناء السابقة التي ادت بنا الى المخاطر والمهالك، أو نستمر في العمل بها وعندها لن يرحمنا التاريخ أو أجيالنا المقبلة.

آخر محطة: بعد أن ثبت أن تغيير الحكومات ومجالس الأمة لم يغير شيئا، ألا يعني هذا الحاجة الضرورية لتغيير الحاشية او البطانة التي ـ كما أخبرتنا تجارب الأمم التي سبقتنا ـ بصلاحها وأمانتها وكفاءتها وسمعتها الحسنة وإخلاصها للمسؤولين يصلح المسار وتنتهي المشاكل ويحصدوا بالتبعية المزيد من المحبة، وبانتهازية البطانة ولعبها على التناقضات وكراهية الناس لها يستمر المسار في الانحدار الى ما لا تحمد عقباه.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *