في أواخر شهر اغسطس الماضي كتب د.محمد الرميحي مقالا جميلا اسماه «طلال العيار» ذكر ضمنه انه التقى «أبومبارك» في قبو احدى مكتبات بيروت واكتشف انه مثقف كبير سبق له ان ساهم دون اعلان في انقاذ مكتبة «مغنية» الشهيرة في بحمدون.
ولا شك أن شهادة شخصية مفكرة مثل الصديق محمد الرميحي لطلال العيار وتسمية المقال باسمه تعكس علو شأنه كمثقف وعظم مصابنا برحيل النائب والوزير السابق الذي ضمتنا ذات مرة رحلة طويلة معه على الطائرة اكتشفنا من خلال الحديث كم الحكمة والعلم والثقافة التي يتمتع بها وهو ما نفتقده في كثير من الشخصيات العامة هذه الايام التي تعاني بشدة من قلة القراءة والاطلاع.
ويحسب «للوزير» طلال العيار انه اول من حذر ونبه من خطورة عدم انشاء محطات كهرباء جديدة على البلد وتنبأ في وقت مبكر بأن الوزارة ستضطر للقطع المبرمج فيما لو استمر الحال على ما هو عليه من استهلاك غير عقلاني للكهرباء والماء، و«النائب» طلال العيار هو من تنبأ كذلك بان تعديل الدوائر لن يقضي، كما قيل وروج، على الممارسات السالبة في الديموقراطية الكويتية وأتبع القول بالعمل فامتنع عن الترشح ضمن نظام الدوائر الخمس التي اعترض عليها.
وسبق لـ«ابومبارك» ان ساهم بفعالية في خلق كتلة المستقلين للدفع بقضايا التنمية في البلد الى الامام، واضفاء كم من الهدوء والحكمة على العمل النيابي، فلما خطفت الكتلة من قبل المستغلين والكاذبين والمستنفعين واصحاب المصالح ابتعد عنها فأصبحت اثرا بعـد عين بعد ان غاب العقل والحكمة التي يمثلها العيــار عـن اعمالها ومواقفها.
ومما عرف عن الراحل الكبير انه لا يقبل الا المراكز الاولى والصدارة في المجالس والمواقف وهي من شيم الفرسان من الرجال لذا لم يتقبل التهنئة، كما قيل، عندما تراجع ترتيبه ذات مرة وبشكل غير معتاد للمركز الثاني، كما اشتهر رحمه الله بالتواضع الجم وتقديره الشديد لكبار السن ممن بادلوه الود وكانوا يمثلون الدعامة الاولى له ولحملاته الانتخابية في الجهراء عروس الشمال.
واذا انتقلنا من مادحيه وما اكثرهم الى منتقديه وما اقلهم فيكفيه فخرا ان الزميل العزيز محمد الوشيحي «انتقده» بالقول انه رجل لا يعرف الكلل وان الابتسامة التي يشهدها آخر الخارجين من ديوانه هي الابتسامة ذاتها التي يشهدها اول القادمين فالابتسامة جهد مجهد ولكن العيار رجل لا يكل، كما اقر له ضمن المقال نفسه بـ«المرجلة» في التصرف والحزم في القرار كوزير متمنيا ان يكون بقية زملائه الوزراء مثله، والشهادة الحقة هي التي شهد بها الناقدون قبل المادحين.
آخر محطة:
بعد كتابة المقال وصلنا النبأ المحزن بوفاة الصديق والقريب، العاقل والحكيم المرحوم حمود بوشيبة فللفقيدين الكبيرين ـ رغم صغر سنهما ـ طلال العيار وحمود بوشيبة الرحمة والمغفرة ولاهلهما وذويهما ومحبيهما الصبر والسلوان وانا لله وانا اليه راجعون.