سامي النصف

وهل غزانا الـ 25 مليون عراقي؟!

يروى في قصص التراث التي يقصد ان نتعلم منها مبادئ التعقل والحكمة، حكاية الذئب والحمل حيث كان الذئب يتبلى ويتحرش بالحمل كي يجد الذريعة للتعدي عليه والتهامه، في واقعنا الكويتي الذي خرجت منه الحكمة ولم تعد منذ أمد بعيد نلحظ العكس مما جرى في تلك القصة التراثية، حيث يركن الذئب للهدوء والانشغال بمشاكله، ويقوم الحمل بالتحرش المتكرر بالذئب والذي سينتهي على الأرجح بـ… اللي يحب النبي يجري..!

ففي زمن صدام سمحنا للذئب ممثلا بديبلوماسييه ورجال مخابراته بأن يستولوا على البلد ويحولوا مبنى سفارتهم الى معتقل، وكان عدد منضوي تلك السفارة (الحكومة) يتعدى الآلاف، لذا لم يكن مستغربا وقد أعلن الحمل استسلامه المسبق أن يتجرأ الذئب على التعدي عليه واستباحة مراعيه.

ومنذ ربيع 2003 ونحن ندعو لخلق علاقة صحيحة وصحية مع العراق تقوم على مبدأ «الربح – الربح» للطرفين وان ننفتح على جميع شرائح المجتمع العراقي من أقصى شماله إلى أقصى جنوبه بصورة إيجابية، وكان جميلا في هذا السياق ما قام به مؤخرا رجل الأعمال جواد بوخمسين من استئجار طائرة خاصة للتعزية بصديق الكويت الراحل عبدالعزيز الحكيم.

وكان ضمن ما دعونا له واستجيب له ثم تم النكوص عنه تسمية احتلال عام 90 بالغزو «الصدامي» لا «العراقي» حيث لم يكن قرارا شعبيا أو أمرا تم الاستفتاء عليه بل كان الطاغية صدام هو المسؤول الأول والأخير عن تلك الجريمة الشنعاء ولم يكن أحد يملك في العراق معارضة ذلك القرار وإلا تم قتله وتصفية أهله، ولنا مصلحة تاريخية بلوم صدام كفرد لا العراق كشعب على ذلك الغزو المدمر حتى لا يتم تكراره مستقبلا بحجة انه مطلب شعبي وقومي عراقي.

وقد رفض البعض تلك التسمية بحجة وجود عراقيين ضمن الجيش الرسمي والشعبي الذي قام باحتلالنا وان صدام لم يغزنا وحده، وإذا لم نأخذ بحجة ان أغلبهم كان مأمورا كما نعلم، كما ان كثيرا منهم كانوا يبدون اعتذارهم وأسفهم آنذاك للكويتيين كلما التقوهم، فعلينا ان نلقي باللائمة على المائة ألف جندي عراقي أو حتى الذين تواجدوا في بلدنا (نسبة تقل عن 0.001% من الشعب العراقي) وألا نلوم 25 مليون عراقي آخر على تلك الجريمة ثم نعلن بعد ذلك اننا لن ننسى أو نغفر وإلا أصبح حالنا كحال الحمل الذي يتحرش بالذئب بغفلة ودون مبرر.

إن بقاءنا كدولة صغيرة بين كتل ضخمة وضمن إقليم جغرافي ملتهب وخاصة في ظل التصعيد الدولي القائم ضد إيران يتطلب منا الكثير من الحكمة والتعقل ومعه الكثير من المغفرة والنسيان، ويمتد ذلك الأمر للعلاقة مع إيران وحزب الله وخطف «الجابرية» والراحل عماد مغنية، ودون ذلك سنبقى ضمن حلقة مفرغة من التوتر واحتمال تكرار التعدي علينا من هذا الطرف أو ذاك فرغم كل الكلام الكبير مازلنا دولة متناهية الصغر.

آخر محطة:

بالمختصر.. السيناريوهات القادمة للمنطقة جميعها سيئة جدا لنا في الكويت فهل نبدأ في الاستماع لحكمائنا بدلا من سفهائنا؟!.. لا أعتقد!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *