في منتصف الستينيات، صدر كتاب «حملة الحقائب» الذي يروي الموقف المشرف لليسار والحزب الشيوعي الفرنسي وللشيوعي اليهودي المصري المعروف هنري كوربيل في دعم المقاومة الجزائرية حتى انهم اوصلوا حقائب المتفجرات للمقاومين الجزائريين في فرنسا، وللاسف الشديد لم تقر او تقدر الحكومات الجزائرية المتعاقبة ذلك الدور وتقوم بتكريم من قاموا به، خاصة انهم قد سجنوا وعذبوا واتهموا بالخيانة العظمى بسبب تلك الادوار التي ادخلت الحرب لبيت كل فرنسي ودفعت الرأي العام لاجبار حكومته على الانسحاب من الجزائر.
ابان الغزو الصدامي الوحشي للكويت، لاحظ الصامدون ان اشرس الغزاة واكثرهم ظلما وقمعا ليسوا من يلبس الملابس الرسمية من جيش وشرطة وحتى حرس جمهوري، بل من يلبسون الملابس المدنية، فهؤلاء اوامرهم لا ترد وحضورهم الى اي موقع يجعل الآخرين ايا كانت رتبهم يسلمون الصلاحيات طواعية لهم.
ظاهرة «اصحاب البدل» او الملابس المدنية تصاحب عادة الانظمة شديدة الظلم كحال انظمة ستالين وهتلر وبول بوت وصدام، كون اول ما يسقط ضمن الدولة القمعية هو احترام القانون وتسلسل الرتب ويصبح الخوف والرعب من الآخر هو القاعدة، لذا يسلم الفرد جميع صلاحياته لاصحاب البدل المدنية دون اعتبار لمكانته او حتى كرامته.
وكان النظام الستاليني الروسي والانظمة الستالينية العربية والاسلامية بمختلف مسمياتها يحصرون كذلك اللون الاسود في السيارات الحكومية عامة والمخابراتية خاصة لبث الرعب طوال الوقت بين الشعوب، وقد وفر لنا ذات مرة نظام ستالين عربي سيارة سوداء كانت «تطوف» الاشارات الحمراء و«تصف» في منتصف الطريق دون ان يحاسبها احد، وقد نزل سائقها امام ناظرينا ليضرب بقضيب من حديد عدة مواطنين حتى ادماهم واسقطهم على الارض دون ان يتجرأ احد منهم على الاحتجاج على ذلك الاعتداء الفظيع.
ويشتكي هذه الايام اهالي الاصلاحيين في ايران (اهل الاصلاح يرفعون عادة فوق الرؤوس والاكتاف في الدول المتحضرة) من اصحاب البدل المدنية ممن يقتلون ويأسرون ابناءهم دون محاسبة او حتى معرفة لمكان الاسر، وقد اصبح الاشقاء الايرانيون يذرفون الدمع مدرارا على عهد الشاه، ممن لم يشهدوا في زمنه حتى جزءا من المظالم القائمة.
آخر محطة:
خياران امام لبنان بعد فك الزعيم «اليساري» وليد جنبلاط تحالفه مع قوى الاكثرية، اولهما ان ينضم وكتلته رسميا لقوى 8 آذار التي يجب ان تكلف بعد ذلك بتشكيــــل الحكومة «وحدها» وتبقى قوى 14 آذار في المعـــارضة، والخيار الثاني ان يصطف الجنرال «اليميني» ميشـــال عون مع قوى 14 آذار وهو المكان الطبيـــــعي له، ومن ثم تحتـــفظ تلك القوى بالاغلبــــية اللازمة لتشكيـــــل الحكومة.