الامم التي لا تتعلم من دروس غزوها مرشحة لكوارث اكبر في المستقبل، ما سبق هو رؤيتي المختصرة لما حدث عام 1990 وذلك بمناسبة دخولنا الذكرى العشرين لدخول القوات الصدامية المتوحشة للكويت، فما الذي يمكن تعلمه من تلك المناسبة الأليمة حتى نعدل المسار ولا نكرر المأساة او الملهاة؟!
لا يغري الثراء بذاته اللصوص والطغاة والمغامرين، فأغنى دول العالم كحال لوكسمبورغ وسنغافورة والنرويج وسويسرا والسويد وموناكو.. الخ هي دول صغيرة جدا مقارنة بجيرانها الا انها في الوقت ذاته دول واعية تضع دائما أكفأ وأذكى العقول في مواقع المسؤولية فيروع هذا الامر الطامعين لأنهم يرون في قدرات هؤلاء ما يفوق قدراتهم عند لقائهم بهم، ما يغري الطامعين افرادا او دولا هو وصول الثروات لدى من يغلب عليهم الغباء أو الغفلة وهذا ما كنا نعمله عندما سلمنا المراكز للاسوأ بدلا من الاكفأ فأغرى هذا الامر الصداميين بالطمع فينا وغزونا.
قبولنا بالذل والهوان حتى انتهى الامر بالغزو والعدوان فقد استفردنا قبل الغزو بين الدول بـ «الاستضعاف» فخطف لنا ما يزيد عن 8 طائرات حتى دخلت ومازالت «الكويتية» موسوعة غينيس كونها الشركة الاكثر اختطافا في العالم دون ان يحاسب – للمعلومة – احد على تلك الخروقات الامنية المتكررة، وكان كلما اختلف فصيل مع فصيل او رغب ثوري مغتر في حفنة من الدولارات قام اما بخطف طائراتنا او تفجير دور صحفنا وسفاراتنا او قتل مواطنينا الآمنين الجالسين في مقاهينا الشعبية دون ان يحاسبه احد او يرد له الصاع صاعين.
وفي هذا السياق، ابلغني من كان حاضرا القمة العربية في الجزائر منتصف الثمانينيات ما حدث عندما حاولت قبل ذلك احدى الدول الثورية استخدام اراضي ابوظبي للاغتيال السياسي، فذهب بالخطأ وزير الدولة الاماراتي ضحية لتلك العملية الارهابية التي نسبت لأبي نضال ومن يقف خلفه، حينها تكلم الشيخ زايد موجها حديثه لثلاثة رؤساء دول ثورية قائلا لهم: «لا تقولوا ابونضال او ابونعال، هالمرة راح لي واحد بس والله ان تكرر الامر ليروح لكم عشرة مسؤولين مقابل كل واحد، واذا كنتم تدفعون لها المرتزقة مليونا لأدفع لهم مية مليون واطلب منهم يفجرون في بلدانكم بدلا من تدمير بلدي»، ويبلغني الشاهد ان احدا من هؤلاء الثوريين لم يرد بكلمة الا ان الامارات لم تشهد بعدها عملية ارهابية واحدة على ارضها.
وأحد الامور التي اغرت صدام بالغزو خلافاتنا السياسية الشديدة وعدم التفاهم بيننا حتى وصل الامر للاستقواء به على شركاء الداخل، ومن يدعُ الدب الى حقله فعليه الا يجزع عندما يدمر زرعه او يطيح برأسه ومازال بيننا من لم يتعلم الدرس ويحلم بدببة اخرى يود ان يستقوي بها على اخوانه في الوطن.. وياله من ذكاء!
آخر محطة:
1 ـ يبلغني د.انيس النقاش وهو رئيس المجموعة التي اختطفت وزراء النفط منتصف السبعينيات، ومنهم وزير نفطنا ان الهدف الحقيقي للعملية هو الحصول على 50 مليون دولار، وهو ما تم وبعدها كرت السبحة.
2 ـ ابان الغزو سمعت امرأة كويتية عجوزا تقول لحظة وصولها احد فنادق الشارقة «من يزرع الطماط اللي صندوقه بربع دينار لا يتركه دون نواطير، فكيف تركت بلد بها كل هالثروات دون حراسة؟!».
3 ـ ثلاثة اشخاص تنبأوا بالاحتلال اولهم المستشار الوزير الفاضل ضاري العثمان والثاني عضو المجلس الوطني الزميل خليفة الخرافي الذي طالب كما أتى في محاضر المجلس باحضار قوات عربية او اجنبية لحماية الحدود قبل الحديث عن التهدئة والواسطات، والثالث كاتب هذه السطور الذي كتب مقالا قبل 3 ايام من الغزو عن «احتلال كامل للكويت»، مستشهدا بما خطه كبير مراسلي الصنداي تلغراف باتريك بيشوب في مقاله المرسل من الكويت يوم الاحد 29/7/1990 وعلى من تقرأ مزاميرك يا داود؟