سامي النصف

سنوات الضياع

الفائدة الوحيدة للحديث عن احداث التاريخ هي التعلم منها منعا لتكرارها، وقد مرت الكويت بعشر سنوات عصيبة ابتدأت عام 1980 عندما نظّر وروّج بالعلن لأطروحة خلق قوى سياسية ـ اقتصادية بديلة والتي سمح تحت رايتها بتحول الاقتصاد الانمائي الحقيقي الى اقتصاد زائف يقوم على الورق، ولم يحاسب احد حتى اليوم على انهيار سوق المناخ الذي خلف وراءه ديونا جاوزت المائة مليار دينار كانت في حينها الاكبر في التاريخ البشري.

وتحولت مفاهيم القوى التي تسببت في نشوء وانهيار سوق المناخ الى الترويج لمسار سياسي اطلقنا عليه في مقال الامس نهج «الدولة الورقية» التي اعلن عن انهيارها واحتراقها صيف عام 1990 عندما عبرت جنازير الدبابات الصدامية الحدود بعد رفضنا احضار قوات اجنبية كما حدث عام 1961 وبعد ان امتلأت سماء الكويت بحرائق حقول النفط التي كانت الاعظم كذلك في تاريخ البشرية.

ان هناك فوارق رئيسية بين نهج الدولة الورقية الزائلة ونهج الدولة الحقيقية الباقية، ويمكن عبر قراءة ظواهر وأعراض كل منهما ان نحكم على مساراتنا المستقبلية ونقرر في اي من الطريقين نتجه، فإن ثبت تعلمنا من دروس الماضي وجب علينا دعم وتعزيز مسار «الديمومة» الجديد، وان ثبت اننا بدأنا بالعودة السريعة لنهج الدولة الورقية وجب علينا قرع اجراس الخطر بأعلى الاصوات حتى لا ننتهي مرة اخرى بالاحتراق الذي قد يأتي بألف شكل وشكل وليس بالضرورة عبر مجنزرات تعبر الحدود.

احد فوارق المسارين او الدولتين هو ان الدولة الحقيقية تقوم على اقتصاد حقيقي من صناعة وزراعة متطورة وخدمات متنوعة بينما يقوم اقتصاد الدولة الورقية على اقتصاد ورقي بحت تتجه فيه انشطة كل الشركات للمضاربة بالاوراق المالية بهدف الربح الوقتي السريع وبعيدا عن انشطتها الحقيقية طويلة المدى كما حدث في بداية سنوات الضياع (1980 ـ 1990)، فهل عدنا لتلك الحقبة؟!

وضمن الدولة الورقية لا تقام مشاريع حقيقية بل هناك فقط حديث متواصل عنها، وان قامت فإنها تقوم على معطى «النهج المؤقت» اي اقامة جسور مؤقتة والتوسعة بالمباني الكيربي وعادة ما يتم التسعير بعشرات الاضعاف طبقا لفكرة «اضرب واهرب»، فالدولة زائلة لذا لا محاسبة حقيقية فيها، فهل عدنا لتلك الحقبة؟! نرجو غير ذلك.

وضمن نهج الدولة الورقية، تسابق الجميع على استباحة المال العام وصناديق الاجيال المقبلة، ومازلنا نذكر الصندوق الذي انشئ من المال العام وضخت به المليارات دون حساب لانقاذ المضاربين والمغامرين في سوق المناخ غير الشرعي من منضوي القوى السياسية والاقتصادية الجديدة آنذاك، وقد عدنا نشهد هذه الايام مزايدات محمومة لانشاء عشرات الصناديق التي تنتهك حرمة المال بقصد الدغدغة وكسب الشعبية وبشكل يوحي بأننا امام قوى سياسية واقتصادية جديدة تروج ـ من تاني ـ لمفهوم الدولة المؤقتة التي لا مستقبل لها.

آخر محطة:

تعرض طاقم الطائرة الكويتية التي وصلت الى لندن يوم الاثنين الماضي لحادث طريق نتج عنه احالتهم للمستشفى، ولم يسأل احد من مسؤولي «الكويتية» في الكويت عنهم او يتصل بهم او بأهاليهم لطمأنتهم، ولنا عودة!

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *