سامي النصف

لماذا نقف هذا الموقف؟!

ما أسهل أن يتبنى المرء في هذه الأوقات الصعبة المواقف السهلة أو المرنة فيغمض عينيه كالنعامة عما يجري محاولا كسب الجميع في بلد يُنسى به المعروف في ستين ثانية ويتم تذكّر ما يعتقد أنه إساءة لستين عاما وضمن مجتمع كراهية يستجدي كثيرون الآخرين أن يعطوهم سببا واحدا لكراهيتهم والحقد عليهم.

في صباح مثل هذه الأيام من عام 75 أرسل المقبور صدام فريق تخريب واغتيال مكونا من أربعة من منضوي منظمة التحرير العربية فأطلقوا النار على احتفال في احدى كنائس عين الرمانة وتلاه مرور باص يحمل مسلحين فلسطينيين محتفلين مما اعتبر استفزازا للمشاعر فأطلقت النار عليه وكانت تلك الحادثة هي شرارة بدء الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت 17 عاما ولم تبق بيتا دون قتيل أو معاق أو مفقود.

تلك الحادثة بذاتها ما كان لها ان تشعل الحرب الأهلية لولا ان الظروف كانت مهيأة بشكل مسبق لمثل تلك الحرب، فالمجتمعات الإنسانية تنقسم إلى نوعين الأول يسوده الهدوء والسلام الاجتماعي بين أفراده كحال مجتمعات الدول المتقدمة فيما هو أشبه بعمود حديد وصلب مغطى بالماء والثلج لا يهم بعد ذلك كم عود ثقاب (كحادث الباص) يرمى عليه حيث انه لن يشتعل قط.

النوع الثاني من المجتمعات هو ما يسوده عدم الاستقرار السياسي بشكل شبه دائم ويتم تحريض رعيته على السلطة بقصد كسر هيبتها، ثم تحريض الرعية على الرعية والطوائف على الطوائف والأعراق على الأعراق، والإقلال من شأن الوحدة الوطنية واستبدالها بألف ولاء وولاء فينتهي الحال بمجتمع أشبه بعمود خشب وقش مبلل إلى آخره بالوقود والبنزين ولا يحتاج إلا إلى عود ثقاب كي يشتعل وتحرق نيرانه الجميع.

ومما يستحق ذكره ان عواصم الدول الصغيرة في المنطقة آنذاك بدأت في الاحتراق والانقسام والتفتت فاشتعلت الأردن عام 70 بحرب بين الاخوة الاردنيين والفلسطينيين، ثم تلتها حرب في قبرص عام 72 بين أصحاب الأصول التركية واليونانية ولحقتهما لبنان عام 75 من حروب متعددة الأشكال والألوان.

وكانت كرة النار تتدحرج سريعا نحو الكويت لولا ان لحقها المغفور لهما الشيخان صباح السالم وجابر الأحمد فاتخذا مواقف حازمة أوقفت بعض بنود الدستور ومنعا عمليات التحريض والتقسيم ونجت الكويت من الدمار آنذاك دون أن تسفك قطرة دم واحدة أو يحاسب أو يعاقب أو يسجن أحد، وبعد هدوء الأحوال عاد العمل بالدستور كاملا غير منقوص وكان ذلك في عصر الحكمة والعقلانية والوطنية الكويتية المتجردة فلا تهديد ولا وعيد ولا ادعاءات بطولات فارغة ولا تنديد.

آخر محطة:
لنضع في أدمغتنا حقيقتين ثابتتين يجب أن نتفق عليهما جميعا أولاهما ان الكويت الآمنة المستقرة هي الأصل والباقي من ديموقراطية ودستور.. إلخ هو الفروع وليس من الحكمة والتعقل والذكاء بشيء أن نحرق الأصل بحجة المحافظة على الفروع التي ستضيع معه بالتبعية ولن يسعد أحد فيما لو أصبحنا صومال آخر به حرية وديموقراطية دون وطن، والحقيقة الثانية ان الديموقراطية والحرية والدستور هي أدوات ووسائل لتحقيق الأمن والرفاه والاستقرار وليست غاية بذاتها تحرق الأوطان لأجلها.

آخر مقالات الكاتب:

عن الكاتب

سامي النصف

كابتن طيار سامي عبد اللطيف النصف، وزير الاعلام الكويتي الاسبق وكاتب صحفي ورئيس مؤسسة الخطوط الجوية الكويتية

twitter: @salnesf

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *