ثقافة الغضب والشتم والتطاول والتي آخرها ما قاله احد المرشحين الزاعقين المدغدغين بحق احد الوزراء الحكماء الصامتين ليست وليدة اليوم، بل يملك حقوقها الفكرية كاملة احد النواب المخضرمين الذي مازال يلعب في ساحة الديموقراطية الكويتية بشكل عبثي، مطالبا بالتحول للدائرة الواحدة الكوارثية بعد ان احالنا لدمار الدوائر الخمس الذي نعيشه.
فقد استنّ وخلق ذلك النائب السابق المخضرم ثقافة الغضب والتشكيك والصوت العالي التي توارثها حواريوه، فلا تراه متكلما قط داخل البرلمان او خارجه بل صارخا رغم ان الديموقراطية في اساسها وصلبها هي لعبة تقوم على الحوار الهادئ وافتراض حسن النوايا والقبول بالرأي والرأي الآخر دون زعل او غضب كما هو حال ديموقراطيات الدول المتقدمة، ومعروف ان ذلك النائب الفاضل لا يتكلم او يسلم على مخالفيه بالرأي، ولا حول ولا قوة الا بالله.
وضمن فهمه الخاطئ للديموقراطية عدم تقبله للهزيمة او نتائج الانتخابات التي تجرى داخل او خارج القبة البرلمانية ومعها التشكيك في كل مشروع تطرحه الدولة وعرقلته ثم التساؤل بعد ذلك، وبراءة الاطفال في عينيه، عن سبب توقف عمليات التنمية (!) في البلد، ومما اشتهر عنه اطلاق «العلوقات» غير الدقيقة او اللائقة على المشاريع الكبرى، فهذا مشروع «حيتان»، وذاك مشروع «بوق ولا تخاف»، والارض العامة هي العرض الذي يجب الا يفرط فيه كأن تؤجره الدولة لمن يريد اقامة المشاريع المفيدة للمواطنين عليه.
لقد تسبب نهج الارهاب والارعاب الفكري هذا في تحويل الحياة في بلدنا الى جحيم لا يطاق يجعل المواطنين والوافدين يفرون مع اي عطلة تعلن.
لقد شغلتنا تلك الديكتاتورية المستترة عن محاولة ايجاد بدائل لمداخيل النفط وعوائد الاستثمار مما يهدد بان نصبح مدنا ترابية تذروها الرياح مع انتهاء حقبة النفط كحال مدن الذهب الاميركية الشهيرة، لذا على الشعب الكويتي في هذه الفترة التاريخية الحرجة ان يعلي صوته فوق اصوات الساسة الغاضبين المزايدين المفرقين وان يسألهم قبل ان يحجب صوته عنهم: ما الذي استفدناه حقا مما فعلتموه في الماضي وتفعلونه هذه الايام عدا تحويل ايامنا الحلوة الى مأتم وبلدنا الى ساحة حرب وضرب؟!
آخر محطة: أقر بان اعلم الناس بمقاصد الكاتب هو الكاتب نفسه وان كان بعض الكتّاب كحال صاحب القلم الرشيق والانيق الرفيق محمد الوشيحي لا يعشق الهبوط بطائرة مقاله على مدرج القارئ بشكل بسيط ومباشر بل يقوم قبل ذلك وبمهارة الطيار البارع بالتشريق والتغريب والصعود والنزول والدخول بشجاعة في الزوابع والخروج منها للسرايات، لذا عليه الا يعجب ان اسأت وغيري فهم مقاصده «الخيرة» من طلب مرور سراية عاتية علينا في الكويت، فقد اختلط كُوعي كقارئ وراكب ببُوعه كطيار وكاتب من كثرة التشقلب والتقلب و.. فنان يا كابتن!