لم يعد الخوف على مجتمعاتنا العربية والخليجية من أخطار الخارج، فالخطر الحقيقي أصبح منبعه هو انقسامات الداخل القائمة على معطيات الطبقية والفئوية والقبلية والطائفية وغيرها من فروقات طبيعية موجودة في كل مجتمعات الأرض دون ان يشكل هذا التلون الجميل مشكلة بل أصبح إضافة تفخر الدول والشعوب بها ولنا في انتخاب الرئيس باراك أوباما خير عظة وعبرة.
ومجتمعنا الكويتي حاله كحال أغلب مجتمعاتنا العربية الأخرى ينقسم إلى مواطنين من أصول قبلية وآخرين من أصول حضرية ولا إشكال في ذلك على الإطلاق حيث التزاوج قائم وأعلى المناصب متاحة للجميع فالانتماء القبلي ومثله الحضري هما جناحان يرفرف بهما الوطن إلى العلياء وقد أثبتت تجربة غزو عام 90 وأسماء الشهداء تسابق وتعاون الجميع لخدمة الوطن دون تفرقة.
لذا ولأجل تفاهم أفضل بين شرائح المجتمع الكويتي ومنعا لانشطار الداخل علينا أن ننظر بهدوء وروية لبعض ما يقال ويقلق ويضايق أو حتى يستفز هذا الطرف من ذاك كي يمكن حله والانتهاء منه دعما لوحدتنا الوطنية خاصة وقد عاش أهل الصحاري والسواحل يدا بيد خلال تاريخ الكويت الطويل ولم يحدث قط خلاف بينهم فما حدا ما بدا؟!
يضايق أصحاب الأصول القبلية وبحق ما يعتقدون انه نظرة تعال عليهم ولا أرى شخصيا ان هذا التصور محق بالضرورة، كما ليس من العدل أو المصلحة الوطنية الحديث المتكرر عن عمليات تجنيس هذه الحقبة أو تلك، فالجميع كويتيون في النهاية لا فارق إطلاقا بين قديمهم وحديثهم، ومثل ذلك تكرار قضية ازدواج الجنسية وكأن المقصود بها شريحة معينة من المجتمع علما بأنها مشكلة عامة تحتاج للتعامل معها بهدوء وروية.
بالمقابل يضايق الحضر كثيرا مقولة انكم سرقتم البلد في الماضي وحان دورنا لعدم صحته حيث ان الأغلبية المطلقة من الحضر وحتى من سكان الضاحية والشويخ هم من أسر متوسطة أو متواضعة الدخل لم يسرق أحد منهم قط ومن أثرى، وهم القلة القليلة، أثروا حالهم كحال بعض أبناء القبائل بجدهم وجهدهم وتجارتهم، كذلك يضايق الحضر الادعاء بمظلومية الآخرين كوسيلة لتبرير تخطيهم بالمراكز ويقولون ان الكويت عاملت أبناء القبائل الأفاضل بما لم تعاملهم به دولة أخرى قط وليس في هذا فضل أو منّة حيث ان الجميع سواسية في المواطنة وأمام القانون ولا داعي لخلق مشاكل من عدم.
ومن الأقوال المتكررة القول بأن الحضر استولوا على المناطق الصناعية والشاليهات والحقيقة ان عدد الشاليهات لا يزيد كما تدل الأرقام على ألفي شاليه اشتريت أراضيها في الأغلب من أبناء إحدى القبائل الكرام كما ان عدد القسائم الصناعية هي بالعشرات أو بالمئات بينما يتجاوز عدد الحضر إن جازت التسمية الأربعمائة ألف نسمة، أي ان المستفيدين من تلك الأمور لا يزيدون على 0.05% منهم تقابلها استفادة مماثلة من توزيع الحكومة للمزارع والجواخير والاسطبلات والمناحل، خلاصة القول ان الكويت معطاءة وكريمة وسخية مع الجميع دون تفرقة بين أبنائها المخلصين من حاضرة وبادية ولنشكر الله على النعم حتى تدوم لنا جميعا.
آخر محطة:
يقول لي سفير أميركي سابق محب للكويت، لم نعد نخشى عليكم من غزو خارجي بل مصيبتكم مما أسمعه يقال في بعض دواوينكم ومخيماتكم الانتخابية. نرجو أن يحجب صوتنا عمن يخدعنا ويدغدغ مشاعرنا بإثارة النعرات الفئوية والطائفية والقبلية حيث انها أصبحت السلعة الأرخص والأسهل للوصول للكراسي الخضراء على حساب تدمير وحدتنا الوطنية ومستقبل أبنائنا.